من أشرف ما يمكن أن يتعلمه العبد ويعلمه أسماء الله الحسنى؛ لأنها تتعلق بالله -عز وجل-، وشرف العلم من شرف المعلوم، وهذا الباب العظيم من أبواب العقيدة، توحيد الأسماء والصفات، وضع له العلماء ضوابط دقيقة حتى لا ينسب إلى الله ما لا ينبغي من أسماء وصفات، وباب أسماء الله الحسنى أدق من باب الصفات العلا لله -عز وجل-؛ لذلك اجتهد العلماء في إحصاء هذه الأسماء إيمانا بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة» متفق عليه، وروى الترمذي وغيره هذا الحديث وسرد بعده تسعة وتسعين اسما، وقال الألباني -رحمه الله- ضعيف.

لكن الحديث الذي فيه الأسماء الحسنى، منتشر بين الناس، ومطبوع في كل أرجاء العالم الإسلامي، ويكتبه عامة الناس على حوائط المدارس والجسور، والمباني العامة.

كنت وصاحبي في مكتبته، بعد صلاة العصر، نقلب الكتب إلكترونيا في الحاسوب.

انتشار الحديث لا يعني صحته؛ لذلك من عمل في جمع الأسماء الحسنى لم يعتمده، وإنما قام العلماء بتمحيص ما ورد فيه، فأزالوا ما لم يثبت من الأسماء الحسنى، وأبقوا ما ثبت، وأضافوا من كتاب الله ومن سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – باقي الأسماء، حتى أحصوا تسعة وتسعين اسما، مع اختلافهم على بعض الأسماء لاختلاف اجتهاداتهم وكلهم مصيب إما بأجر أو بأجرين من فضل الله.

– وما مناسبة هذه المقدمة ونحن بصدد قراءة تفسير هذه الآية من سورة الزخرف؟

– مناسبة ذلك أننا لا نستطيع أن نقول: إن من أسماء الله الحسنى (المبرم) استشهادا بهذه الآية.

– بالطبع لا نقول ذلك، وأنا شخصيا أتجنب الخوض في هذا الباب من العقيدة لدقته وخطورته واقرأ ما كتبه أهل الاختصاص، وأعجبني كتاب الشيخ د. عبدالرازق الرضواني (أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة)، وكتاب (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)، للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، وكتاب (قطف الجنى الداني) للشيخ عبدالمحسن العباد.

– لنرجع إلى موضوع آية اليوم وهي آية في تهديد الكفار وتحديهم، يقول الله -تعالى-: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف).

في تفسيره هذه الآيات: يكيدون به الحق الذي جئناهم به؟ فإنا مدبِّرون لهم ما يجزيهم من العذاب والنكال. وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} يقول: أم يظن هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما أخفوا عن الناس من منطقهم، وتشاوروا بينهم وتناجوا به دون غيرهم، فلا نعاقبهم عليه لخفائه علينا. وقوله: {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} يقول -تعالى ذكره-: بل نحن نعلم ما تناجوا به بينهم، وأخفوه عن الناس من سر كلامهم، وحفظتنا لديهم، يعني عندهم يكتبون ما نطقوا به من منطق، وتكلموا به من كلامهم. وذكر أن هذه الآية نزلت في نفر ثلاثة تدارؤوا في سماع الله -تبارك وتعالى- كلام عباده.

أم أبرموا، أم أحكموا، أمرا، في المكر برسول – صلى الله عليه وسلم -، فإنا مبرمون، محكمون أمرا في مجازتهم، قال مجاهد: إن كادوا شرا كدتهم مثله.

{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم}، ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم، بل، نسمع ذلك ونعلمه، ورسلنا، أيضا من الملائكة يعني الحفظة، لديهم يكتبون.

قتادة: أم أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث.

الكلبي: أم قضوا أمرا فإنا قاضون عليهم بالعذاب. و(أم) بمعنى بل.

قوله -تعالى-: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} أي ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به بينهم، (بلى) (نسمع ونعلم)، (ورسلنا لديهم يكتبون) أي الحفظة عندهم يكتبون عليهم، وروي أن هذا نزل في ثلاثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا؟ وقال الثاني: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع، وقال الثالث: إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا أسررتم.

(أم) منطقة للإضراب الانتقالي من حديث إلى حديث مع اتحاد الغرض.

انتقل من حديث ما أعد لهم من العذاب يوم القيامة ما أعد لهم من الخزي في الدنيا؛ فالجملة عطف على جملة {هل ينظرون إلا الساعة} (الزخرف:66).

والكلام بعد (أم) استفهام حذفت منه أداة الاستفهام وهو استفهام تقريري وتهديد، أي أأبرموا أمرا؟ وضمير (أبرموا) مراد به المشركون الذين ناوؤوا النبي – صلى الله عليه وسلم -، وضمير (إنا) ضمير الجلالة. والفاء في قوله: (فإنا مبرمون) للتفريع على ما اقتضاه الاستفهام من تقدير حصول المستفهم عنه، فيؤول الكلام إلى معنى الشرط، أي إن أبرموا أمرا من الكيد فإن الله مبرم لهم أمرا من نقض الكيد وإلحاق الأذى بهم، ونظيره وفي معناه قوله: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} (الطور:42).

عن مقاتل نزلت هذه الآية في تدبير قريش بالمكر بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في دار الندوة حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم، أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتل النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى لا يستطيع بنو هاشم المطالبة بدمه، وقتل الله جميعهم في بدر. والإبرام حقيقته: القتل المحكم، وهو هنا مستعار لإحكام التدبير والعزم على ما دبروه. والمخالفة بين (أبرموا ومبرمون)؛ لأن إبرامهم واقع، وأما إبرام الله جزاء لهم فهو توعد بأن الله قدر نقض ما أبرموه فإن اسم الفاعل حقيقة في زمن الحال، أي نحن نقدر لهم الآن أمرا عظيما، وذلك إيجاد أسباب وقعة بدر التي استؤصلوا فيها.

والأمر: العمل العظيم الخطير، وحذف مفعول مبرمون لدلالة ما قبله عليه.

{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف:80). (أم) والاستفهام المقدر بعدها في قوله: (أم يحسبون) هما مثل ما تقدم في قوله: أم أبرموا أمرا (الزخرف:79). وحرف (بلى) جواب للنفي من قوله: أنا لا نسمع، أي بلى نحن نسمع سرهم ونجواهم. والسمع هو: العلم بالأصوات. والمراد بالسر: ما يسرونه في أنفسهم من وسائل المكر للنبي – صلى الله عليه وسلم -، وبالنجوى ما يتناجون به بينهم في ذلك بحديث خفي.

وعطف (ورسلنا لديهم يكتبون) ليعلموا أن علم الله بما يسرون علم يترتب عليه أثر فيهم وهو مؤاخذتهم بما يسرون؛ لأن كتابة الأعمال تؤذن بأنها ستحسب لهم يوم الجزاء.

والكتابة يجوز أن تكون حقيقة، وأن تكون مجازا، والأولى حملها على ظاهرها مع عدم إدراكنا لأمور الغيب وكيفيتها. و(الرسل): هم الحفظة من الملائكة؛ لأنهم مرسلون لتقصي أعمال الناس ولذلك قال: (لديهم يكتبون) كقوله: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق:18).