– الغلو في الأنبياء والأولياء والمشايخ والصالحين أول باب أدخل الجهلة في الشرك الأكبر,  هذه عبارة قوية.. الشرك الأكبر؟ – نعم، الشرك الأكبر وذلك كما ورد في تفسير قوله -تعالى-: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح:23). في البخاري عن ابن  عباس -رضي الله عنهما- «أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا كانوا من صالحي قوم نوح، فلما هلكوا أوحى، الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كان يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا: (فلم تعبد)، حتى إذا هلك أولئك وتفسخ العلم، عبدت! وصارت الأوثان التي كانت في قوم نوح إلى العرب، أما (ود) فكانت لكلب بدومة الجندل،  وأما (سواع) فكانت لهذيل، وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما (يعوق) فكانت لهمدان، وأما (نسر) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع…». -لقد تربينا ونحن نسمع آباءنا يعظمون بعض المشاهد والأماكن التي في آثار الصالحين، أو يظنون أنهم مروا بها، أو مكثوا فيها، مثل ما كان عندنا في الكويت وفي جزيرة  فيلكا تحديدا مقام ينسب للخضر، يقدمون له النذور ويطلبون فيه شفاء المرضى، حتى هدم عام (1976) للميلاد. كنت وصاحبي في طريق عودتنا من المقبرة، وفي الشهر الحادي عشر الميلادي يكون النهار قصيرا، قررنا أن نوقف مركبتنا عند المسجد ونتريض، إلى أن يؤذن المغرب. عقب صاحبي: – لقد رأيت شيئا من ذلك في السودان، خلال زيارتي الوحيدة للخرطوم؛ فهناك يبنون قبابا من الطين للصالحين، ويضعون عليها سدنة أذكر منها: ضريح الشيخ الشريف الهندي وضريح (الكباشي)، إن لم تخني الذاكرة. – هذا باب عظيم للوقوع في الشرك الأكبر؛ لذلك نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن  مدحه وتعظيمه، فقال – صلى الله عليه وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن  مريم، فإنما أنا عبده، فقولا عبدالله ورسوله» (متفق عليه). ونهى عن المبالغة في مدحه، كما في (شعب الإيمان) أن ناسا جاؤوا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالوا له أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا فقال – صلى الله عليه وسلم -: «قولوا بقولكم أو بنحو قولكم هذا ولا يستجرينكم الشيطان، أنا محمد بن عبدالله ورسول الله». ومع الأسف لا يكاد يخلو بلد إسلامي من ضريح يزوره الناس وينذرون له ويدعون عنده، رجاء كشف ضر أو جلب نفع، وهذا من  جهلهم بالعقيدة الصحيحة، وأن هذا شرك أكبر بالله -عز وجل. قام صاحبي بالبحث في هاتفه -كعادته- عندما يريد أن يأتي بالمعلومة الدقيقة. – دعني اقرأ لك ما ورد في هذا الأمر عن ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله. قال ابن تيمية -رحمه الله-: فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك، وقد ذكروا أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح -عليهما السلام- يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم؛ فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم وهم يسقون المطر فعبدوهم، قال قتادة وغيره: كانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح ثم اتخذها العرب بعد ذلك. وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك؛ فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك؛ فلأن يشرك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله؛ ولهذا تجد أقواما كثيرين يتضرعون عندها ويتخشعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يعبدونها في المسجد، بل ولا في السحر، ومنهم من يسجد لها وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء مالا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال. فهذه المفسدة التي هي مفسدة الشرك كبيره وصغيره هي التي حسم النبي – صلى الله عليه وسلم – مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة ونحو ذلك، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها؛ لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها؛ فنهى المسلم عن الصلاة فيها، وإن لم يقصد ذلك سدا للذريعة واقتضاء الصراط المستقيم. وقال ابن القيم -رحمه الله- في (إغاثة اللهفان): وقال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح -عليه السلام-، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد؛ فعبدوهم، فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتفق على صحته عن عائشة الله -رضي الله عنها-: أن أم سلمة -رضي الله عنها- ذكرت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله -تعالى. وفي لفظ آخر في الصحيحين: أن أم حبيبة -رضي الله عنها- وأم سلمة -رضي الله عنها- ذكرتا كنيسة رأينها. فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور، وهذا كان سبب عبادة اللات؛ فروى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: {أفرأيتم اللات والعزى} (النجم: 19)، قال: كان يلت لهم السويق فمات؛ فعكفوا على قبره، وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان يلت السويق للحاج.  فقد رأيت أن سبب عبادة ود ويغوث ويعوق ونسر واللات، إنما كانت من تعظيم قبورهم،  ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي – صلى الله عليه وسلم . توجهت وصاحبي إلى أماكن الوضوء، استعدادا لصلاة المغرب. – لذلك كان من السنة طمس الصور، وتسوية القبور، وعدم البناء عليها، كما في حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -، عن أبي الهياج حيان  بن حصين الأسدي قال: قال لي علي – رضي الله عنه -: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟: ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته، وفي رواية ولا صورة إلا طمستها» (صحيح مسلم).