– وما الفرق بين الغل والحسد؟ – تعرف أن الحسد هو (تمني زوال نعمة الآخر)، أما الغل فهو حقد وعداوة قلبية، تتولد غالبا من خلاف على أمر؛ فالحسد لا مسبب له، أما الغل فيكون بإساءة ولو متخيلة، وإذا اشتد الغلّ أصبح (حقدا)، وفي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «صيام  شهر الصبر وثلاثة من  كل شهر يذهبن كثيرا من وحر الصدر» (صحيح الترغيب)، وفي رواية «من وغر الصدر»، (الوحر: الغل. والوغر: الغيظ). صاحبي حصل على الإقامة الدائمة في كندا، لبناني الأصل، مركز عمله في الكويت، ملتزم بشرع الله، حريص على تعلم الحلال والحرام فيما يعنيه من أمور معاشه. دعاني لتناول عشاء (خفيف) في أحد المطاعم اللبنانية. – ولماذا تصف هذه الأعمال بأنها ذنوب، وكثير من الكتب يصفها بأنها أمراض للقلوب؟ – أظن أن وصف ذنوب أدق؛ لأنها تؤدي إلى النار إن لم يتب العبد منها كما في ذنوب الجوارح؛ فهي ذنوب تسجل في صحيفة العبد يحاسب عليها يوم القيامة، يقول ابن القيم: «فإن ما يعاقب عليه من أعمال القلوب هو معاص قلبية، يستحق العقوبة عليها كما يستحقه على المعاصي البدنية؛ إذ هي منافية لعبودية القلب؛ فإن الكبر والعجب والرياء وسوء الظن محرمات على القلب، وهي أمور اختيارية يمكن اجتنابها فيستحق العقوبة على فعلها». – وهل كل غل ذنب؟ – (الغل)، كما (الحزن)، أمران  موجودان في الدنيا لا يكاد يخلو قلب عبد منهما؛ ولذلك وصف الله -عز وجل- أنهما لا ينفيان إلا في الجنة، كما في قوله -عز وجل- عن أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر:٣٤)، وعن الغل قال -عز وجل-: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:٤٣). وقال -سبحانه-: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (الحجر:٤٧)، وفي التفسير أن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: «إني أرجو أن  أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}»، وذلك بعد موقعة الجمل، فقد حصل بينهم ما حصل لدرجة الاقتتال وكلهم مبشر بالجنة! فلا تخلو الدنيا من (الغل) يزيد أو يقل. من الأمور التي تجذبني للمطاعم اللبنانية ما يقدمونه (ضيافة) قبل إحضار الأطباق المطلوبة، الزيتون اللبناني بنوعيه، وما يصحبه  من مقبلات. طلب صاحبي عشاء خلا من اللحوم، كما اتفقنا. تابعت بياني: وفي الحديث:  عن أبي سعيد الخدري عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال في حجة الوداع: «نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها؛ فرب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مؤمن إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعاءهم يحيط من ورائهم» (صحيح لغيره). يقول ابن القيم -رحمه الله- : أي لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غله وتنقيه منه، وتخرجه عنه؛ فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل، وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة، فهذه الثلاثة تملؤه غلا ودغلا، ودواء هذا الدغل واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة . الرابع: أن يعزم على كف شره عن الناس، ويطهر قلبه من الغل لأي من المسلمين. وفي الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم  – قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد» (البخاري). فضحك الله إلى هذين الرجلين؛ لأنه كان بينهما تمام العداوة في الدنيا، حتى إن أحدهما قتل الآخر، فقلب الله هذه العدواة التي في قلب كل واحد منهم، وأزال ما في نفوسهما من الغل؛ لأن أهل الجنة يطهرون من الغل والحقد؛ كما قال الله – تعالى- في وصفهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (الحجر: (47). قال ابن الأنباري : ما مضى من التآخي قد كان يشوبه ضغائن وشحناء، وهذا التأخي بينهم الموجود عند نزع الغل هو تأخي المصافاة والإخلاص. قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر:10)، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله-: «هذا شامل لجميع المؤمنين، ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحبّ بعضُهم بعضاً؛ ولهذا ذكر الله في هذا الدعاء نفي الغل عن القلب الشامل لقليله وكثيره الذي إذا انتفى ثبت ضده وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصحُ ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين؛ وذلك أن الإنسان -وإن اقتص له ممن اعتدي عليه- فلا بد أن يبقي في قلبه شيء من الغل والحقد علي الذي اعتدي عليه، ولكن أهل الجنة لا يدخلون الجنة حتى يقتص لهم اقتصاصا كاملا، فيدخلونها علي أحسن وجه؛ فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة».