من معجزات القرآن أنه أخبر عن أحاديث المنافقين فيما بينهم، بل وأخبر بمقاصدهم وما يخفونه في صدورهم من نوايا فاسدة ومخططات خبيثة، وتحداهم، وأخبرهم بسوء عاقبتهم في الآخرة، والآيات في فضح المنافقين ووعيدهم كثيرة في كتاب الله، منها: سورة التوبة (براءة) تسمى أيضا (الفاضحة)، وفي كتاب الله سورة (المنافقون)، ومع ذلك بقي منافقون في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – وسيكون أمثالهم في هذه الأمة إلى يوم القيامة.

الحمدلله أن عافانا من النفاق، اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم.

صاحبي (د. بدر) تخرج في جامعة الزيتونة في تونس، وتخصص في الدراسات الإسلامية، ويمزج كلامه ببعض الألفاظ المغاربية الجميلة، ويحفظ القرآن برواية (ورش عن نافع).

– ألا تسمعنا شيئا من القرآن بالرواية التي تحفظها، آيات في المنافقين وأوصافهم؟

– بلى، بسعادة وسرور.

وأخذ يقرأ، وأنا أنصت مستمعا.

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (البقرة).

     {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء).

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (التوبة).

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (المنافقون).

     واسمع إلى تفسير بعض هذه الآيات من عالم المغرب العربي الطاهر بن عاشور -رحمه الله تعالى-، عن زيد بن أرقم، قال: «خرجت مع عمي في غزاة، فسمعت عبدالله بن أبي ابن سلول يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إليّ، فحدثته، فأرسل إلى عبد الله عليا – رضي الله عنه – وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، قال: فكذبني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصدقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قط، فدخلت البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلا أن كذّبك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومقتك، قال: حتى أنزل الله -عزّ وجل-: {إذا جاءك المنافقون}، قال: فبعث إليّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقرأها، ثم قال: «إن الله -عز وجل- قد صدقك يا زيد».

فلما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأذن زيد فقال: «هذا الذي أوفى الله بأذنه»، وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبي الذي كان من أبيه. (أخرجه الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح).

في سورة (المنافقون)

فضح أحوال المنافقين بعد كثير من دخائلهم، وتولد بعضها عن بعض من كذب، وخَيْسٍ بعهد الله، واضطراب في العقيدة، ومن سفالة نفوس في أجسام تغرُّ وتعجب، ومن تصميم على الإعراض عن طلب الحق والهدى، وعلى صد الناس عنه.

جيء بفعل يشهد في الإخبار عن تكذيب الله -تعالى- إياهم للمشاكلة حتى يكون إبطال خبرهم مساويا لإخبارهم.

وفي آيات سورة البقرة

الخداع: وقيل: أصله الإخفاء، ومنه مخدع البيع الذي يحرز فيه الشيء، قال -تعالى-: {وما يخدعون إلا أنفسهم} نفي وإيجاب، أي ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم، ومن كلامهم: من خدع من لا يخدع فإنما يخدع نفسه.

والخداع من الله مجازاتهم على خداعهم أولياءه ورسله، قال الحسن: يعطى كل إنسان من مؤمن ومنافق نور يوم القيامة فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا، فإذا جاؤوا إلى الصراط طفئ نور كل منافق، فذلك قولهم: {انظرونا نقتبس من نوركم}.

وفي سورة النساء

قوله -تعالى-: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى}.

     أي يصلون مراءاة وهم متكاسلون متثاقلون، لا يرجون ثوابا ولا يعتقدون على تركها عقابا، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (مسلم).

وقال – صلى الله عليه وسلم – ذاما لمن أخر الصلاة: «تلك صلاة المنافقين -ثلاثا- يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان أو على قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر فيها إلا قليلا» رواه مالك وغيره وصححه الألباني.

عقب التعريض بالمنافقين من قوله: لا تتخذوا الكافرين أولياء كما تقدم بالتصريح بأن المنافقين أشد أهل النار عذابا، فإن الانتقال من النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء إلى ذكر حال المنافقين يؤذن بأن الذين اتخذوا الكافرين أولياء معدودن من المنافقين.

وتأكيد الخبر بـ(إن) لإفادة أنه لا محيص لهم عنه.

والدرك: اسم جمع دركة، ضد الدرج اسم جمع درجة. والدركة المنزلة في الهبوط، وإنما كان المنافقون في الدرك الأسفل، أي في أذل منازل العذاب؛ لأن كفرهم أسوأ الكفر لما حف به من الرذائل.

ولن تجد لهم نصيرا لكل من يصح منه سماع الخطاب، وهو تأكيد للوعيد، وقطع لرجائهم؛ لأن العرب ألفوا الشفاعات والنجدات في المضائق، فلذلك كثر في القرآن تذييل الوعيد بقطع الطمع في النصير والفداء ونحوهما.