قوله -تعالى-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} أجمع جل المفسرين على أنها نزلت في شأن أبي طالب عم النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو نص حديث البخاري ومسلم، وقال أبو روق قوله: {ولكن الله يهدي من يشاء}، إشارة إلى العباس، وقال قتادة: {وهو أعلم بالمهتدين} قال مجاهد: لمن قدر له أن يهتدي، وقيل: معنى {من أحببت} أي من أحببت أن يهتدي، وقال جبير بن مطعم: لم يسمع أحد الوحي يلقى على النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أبا بكر الصديق فإنه سمع جبريل وهو يقول: يا محمد اقرأ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}.

– ولكن الآية الثانية {ليس عليك هداهم} (البقرة)، جاءت بعد آيات الصدقة فما العلاقة، وكيف الربط بينها؟!

– أحسنت هذه النقطة شرحها القرطبي وغيره في التفسير:

ليس عليك هداهم

قوله -تعالى-: {ليس عليك هداهم} هذا الكلام متصل بذكر الصدقات، فكأنه بين فيه جواز الصدقة على المشركين، وروى ابن عباس – رضي الله عنه – أنه قال: كان ناس من الأنصار لهم قرابات من بني قريظة والنضير، وكانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا، فنزلت الآية بسبب أولئك.

وحكى الطبري أن مقصد النبي – صلى الله عليه وسلم – بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا ويدخلوا في الدين، فقال الله -تعالى-: {ليس عليك هداهم}.

{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (البقرة:272).

استئناف معترض

استئناف معترض به بين قوله: {إن تبدوا الصدقات} (البقرة:271)، وبين قوله: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم}، ومناسبته هنا أن الآيات المتقدمة يلوح من خلالها أصناف من الناس: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}، ومنهم: {الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى}، ومنهم: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}، ومنهم: { الشيطان يعدهم الفقر ويأمرهم بالفحشاء}، وكان وجود هذا الفرق مما يثقل على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فعقب الله ذلك بتسكين نفس رسوله والتهوين عليه بأن ليس عليه هداهم ولكن عليه البلاغ، فالهدى هنا بمعنى الإلجاء لحصول الهدى في قلوبهم، الهدى ليس بواجب على الرسول، فلا يحزن على عدم حصول هداهم؛ لأنه أدى واجب التبليغ، أو المعنى ليس ذلك بواجب عليكم أيها المعالجون لإسلامهم بالحرمان من الإنفاق حتى تسعوا إلى هداهم بطرق الإلجاء.