– من القواعد المهمة التي تعلمتها أخيرا أن الأمر للرسول – صلى الله عليه وسلم – يقصد به أمر الأمة جميعا، ولاسيما إذا كان الأمر يتعلق بأمور معلوم أن النبي –صلى الله عليه وسلم – يفعلها، ويأمر بها.

– كلام جميل، ولكن هل لك أن تطبق هذه القاعدة عمليا، ما دمت قد تعلمتها حديثاً؟

صاحبي (أنيس) يحب أن يناقشني في قضايا شرعية، يتعلم، يتبين، لكي يكون أقرب ما يمكن إلى كتاب الله وهدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم-, لا يقرأ كثيرا، ولكنه يستمع كثيرا، ويناقش أكثر.

كنا في طريقنا لتناول الغداء بعد صلاة الجمعة، ونادرا ما أخرج للغداء يوم الجمعة؛ لأنه يوم راحة بالنسبة لي ولا سيما بعد الصلاة بعد الصلاة.

تابع أبو أنس حديثه: مثلا قول الله -تعالى- لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى:9-11)، هذه السورة أحب قراءتها وتكرارها، وأشعر أنها أمر مباشر لي؛ لذلك اطلعت على تفسيرها في أكثر من كتاب للتفسير.

– أمتعنا بما وجدت في كتب التفسير.

فيه أربع مسائل: الأولى، قوله -تعالى-: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} أي لا تُسلَّط عليه بالظلم، ادفع إليه حقه، واذكر يتمك، قاله الأخفش.

وقيل: القهر الغلبة، والكهر: الزجر.

الثانية: ودلت الآية على اللطف باليتيم، وبره والإحسان إليه.

وروي عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – قسوة قلبه، فقال: «إن أردت أن يلين، فامسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين» (حسنه الألباني). وفي الصحيح عن أبي هريرة: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين». وأشار بالسبابة والوسطى. (البخاري).

الثالثة: قوله -تعالى-: {وأما السائل فلا تنهر} أي لا تزجره، فهو نهي عن إغلاظ القول، ولكن رده ببذل يسير، أو رد جميل، واذكر فقرك، قاله قتادة وغيره.

وفي الحديث: «سألت ربي مسألة وودت أني لم أساله، قلت: يا رب كانت قبلي رسل، منهم من سخرت له الرياح ومنهم من كان يحيي الموتى، وكلمت موسى، قال: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال: فقلت بلى يا رب! فوددت أن لم أسأله» (الصحيحة).

الرابعة: قوله تعالى-: {وأما بنعمة ربك فحدث} أي انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء، والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر.

في الحديث: «إذا آتاك الله مالا فليُر عليك فإن الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنا ولا يحب البؤس ولا التباؤس» (حسن).

قوله: {فأما اليتيم فلا تقهر} مقابل لقوله: {ألم يجدك يتميا فآوى} وقوله: {وأما السائل فلا تنهر} مقابل قوله: {ووجدك ضالا فهدى} وقوله: {وأما بنعمة ربك فحدث} مقابل قوله: {ووجدك عائلا فأغنى}. وأصل الأمر الوجوب، فيعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – واجب عليه ما أمر به، وأما مخاطبة أمته بذلك فتجري على أصل مساواة الأمة لنبيها فيما فرض عليه، ما لم يدل دليل على الخصوصية.

وعن عمرو بن ميمون: إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به يقول له: رزق الله من الصلاة البارحة كذا وكذا. وعن عبدالله بن غالب: أنه كان أذا أصبح يقول: لقد رزقني الله البارحة كذا، قرأت كذا، صليت كذا، ذكرت الله كذا، فقلنا له: يا أبا فراس إن مثلك لا يقول هذا، قال: يقول الله -تعالى-: {وأما بنعمة ربك فحدث} وتقولون أنتم: لا تحدث بنعمة الله!

– كلام جميل، وقد قرأت ذات مرة أن بعض السلف كان يختم هذه السورة بالتكبير ويبدأ بسورة (الشرح) بعدها.

– نعم قرأت ذلك وإليك التفصيل:

عن عكرمة بن سليمان: قرأت على إسماعيل بن عبدالله بن قسطنطين، فلما بلغت والضحى، قال لي: كبِّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، فإني قرأت على عبدالله بن كثير فلما بلغت والضحى، قال: كبِّر حتى تختم.