النشاطات الاجتماعية والعلمية والدعوية جميعها، أصبحت بعد صلاة العشاء، منذ الأول من نوفمبر؛ حيث يؤذن للعشاء الساعة السادسة والنصف تقريباً.

كنا في طريقنا لحضور معرض الكتاب، لا لشراء كتاب معين، وإنما لنطلع على المكتبات المشاركة، وأنواع الكتب المعروضة.

– في القرآن يلفت الله انتباهنا لبعض آياته الكونية، ووصفها الله بأنها آيات تدل على خالقها، وقدرته، وعظمته، فضلا عن وجوده واستحقاقه للعبادة وحده لا شريك له، من ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}(الجاثية: 3-6)، {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِين}، يقول -تعالى- ذكره: إن في السموات السبع اللاتي منهن نزول الغيث، والأرض التي منها خروج الخلق أيها الناس {لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ}، يقول: لأدلة وحججا للمصدقين بالحجج إذا تبينوها ورأوها.

{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، يقول -تعالى- ذكره: وفي خلق الله إياكم أيها الناس، وخلقه ما تفرق في الأرض من دابة تدب عليها من غير جنسكم {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. يعني: حجج وأدلة لقوم يوقنون بحقائق الأشياء؛ فيقرون بها، ويعلمون صحتها {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}أيها الناس، وتعاقبهما عليكم، هذا بظلمته وسواده، وهذا بنوره وضيائه { وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ } وهو الغيث الذي به تخرج الأرض أرزاق العباد وأقواتهم، وإحيائه الأرض بعد موتها، يقول: فأنبت ما أنزل من السماء من الغيث ميت الأرض، حتى اهتزت بالنبات والزرع من بعد موتها، يعني: من بعد جدوبها وقحوطها ومصيرها دائرة لا نبت فيها ولا زرع.

وقوله: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}، يقول: وفي تصريفه الرياح لكم شمالا مرة، وجنوبا أخرى، وصبا أحيانا، ودبورا أخرى لمنافعكم.

{آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}يقول -تعالى- ذكره: في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه، لقوم يعقلون عن الله حججه، ويفهمون عنه ما وعظهم به من الآيات والعبر.

{ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}، يقول -تعالى- ذكره: هذه الآيات والحجج يا محمد من ربك على خلقه، نتلوها عليك بالحق، يقول: نخبرك عنها بالحق لا بالباطل، كما يخبر مشركو قومك عن آلهتهم بالباطل، أنها تقربهم إلى الله زلفى؛ فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون، يقول -تعالى- للمشركين به: فبأي حديث أيها القوم بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم، وبعد حججه عليكم وأدلته التي دلكم بها على وحدانيته من أنه لا رب لكم سواه، تصدقون، إن كنتم كذبتم لحديثه وآياته.

توقفت عن القراءة من هاتفي، كنا على وشك الوصول إلى موقع معرض الكتاب، علق صاحبي على ما سمع.

– بمعنى أنه من أراد أن يصل إلى الإيمان العام بوجود الله وقدرته؛ فإن الآيات الكونية تكفيه؛ فالآية الأولى ختمت بقوله: {لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِين}، والآية الثانية ختمت بقوله: {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، والثالثة ختمت بقوله: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، وهذا تنبيه إلى أن الذين لا يتصفون بهذه الصفات، لا يستفيدون من هذه الآيات.

– ملاحظة جميلة.

تابع صاحبي.

– والآيات التي في السموات متجددة؛ فما كان يراه الأوائل، نرى أكثر منه اليوم، وسيرى مَنْ بعدنا أكثر؛ فلا تحديد للآيات التي في السموات والأرض، آيات متجددة، ينتفع منها من يريد أن يصل إلى الإيمان بالله -سبحانه- وأظن أن المعنى الإجمالي، أن المنصفين من العباد إذا نظروا في السموات والأرض نظر تدبر صحيح، علموا أنها مصنوعة ولابد لها من صانع؛ فيؤمنون ويقرون، وإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال، وأسرار الجسد والأعضاء الداخلية، وأسرار خلق الدواب صغيرها وكبيرها، وهذه الاكتشافات تتجدد مع مر الزمان، ازدادوا إيمانا، وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس، وإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت، كاختلاف الليل والنهار، ونزول الأمطار، وحياة الأرض بعد موتها، وموتها بعد حياتها، وارتفاع المياه وانخفاضها، وتصريف الرياح وتقلباتها، وغير ذلك من الحوادث المرئية والمحسوسة، عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم بالخالق -سبحانه وتعالى.

– ترجلنا ونحن في طريقنا إلى صالة (A) التي كانت الأقرب لنا.

أردت أن أختم الحديث.

– فتكون النفس البشرية متهيئة للإيمان بوحدانية الله، متشوقة إلى معرفة ما يريده الخالق -سبحانه- حتى يمتزج هذا الإيمان النظري بعبادات عملية، تتحقق من خلالها العبودية الصحيحة لله وحده لا شريك له، وهذا ما بعث الرسل لأجله.