– وهذه صفة أخرى للقلب، كثيرا ما أقرأ وأسمع عنها أنها (أمراض القلوب)، وأنت تقول: إنها من (ذنوب القلوب). – نعم هي من  (ذنوب القلوب)؛ لأنها تؤدي إلى اكتساب السيئات واستحقاق غضب الرب والعذاب يوم القيامة، دعني أورد لك ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب: «وسئل أيما أولى:‏ معالجة ما يكره الله من قلبك مثل‏: ‏الحسد والحقد والغل والكبر والرياء والسمعة ورؤية الأعمال وقسوة القلب، وغير ذلك، مما يختص بالقلب من درنه، وخبثه‏؟‏ أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة‏:‏ من الصلاة والصيام وأنواع القربات‏‏ من: النوافل والمنذورات مع وجود تلك الأمور في قلبه‏؟‏ أفتونا مأجورين‏. فأجاب -رحمه الله-‏:‏ الحمد لله‏،‏ من ذلك ما هو عليه واجب‏،‏ وأن للأوجب فضلا وزيادة‏،‏ كما قال -تعالى- على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – ‏:‏ ‏«‏ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه‏»‏‏.‏ ثم قال‏:‏ «‏ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» (متفق عليه)،‏ والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب، فإن القلب ملك، والأعضاء جنوده‏؛‏ فإذا خبث الملك خبثت جنوده؛ ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -:‏‏ «‏ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله». كنت وصاحبي بانتظار موعد إقلاع رحلتنا لأداء العمرة، قررنا الذهاب والرجوع في اليوم نفسه، بحجز أول رحلة في الصباح، والعودة مع آخر رحلة، كانت أول تجربة لنا بهذا الجدول السريع. – أليس (قسوة القلب) من الأمور التي توعد  الله صاحبها بـ(الويل)؟! – بلى، أحسنت، وذلك في قوله -تعالى-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (الزمر:22). فهو من  ذنوب القلوب التي توعد الله صاحبها بالويل، كما للمطففين، وكما للهمزة اللمزة، وكما قال العلماء: «كل ذنب جزاؤه الويل فهو من الكبائر»، نسأل الله العافية. والقلب القاسي، يمنع صاحبه من كل خير، فلا ينتفع بموعظة ولا يتذكر الآخرة، ولا يتورع عن معصية، حتى مع أولى الناس ببره والديه؛ لذا وجب على العبد أن يراقب قلبه، فإذا بدأت فيه علامات القسوة عالجها فور حدوثها. اقترح علي صاحبي أن نجلس في المقهى الموجود في صالة الانتظار نتناول شيئا قبل الإقلاع، فقد غادرنا بيوتنا بعد صلاة الفجر مباشرة، أخذنا حاجتنا. – وعلامات قسوة القلب؟! – الغفلة عن الطاعات والآخرة والموت، والانغماس في الشهوات والملذات، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة» (صحيح على شرط مسلم)، يسمع آيات الله فلا تتجاوز طبلة أذنه، ويرى الجنازة ولا يتجاوزه المشهد بؤبؤة عينه. ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله، خلقت النّار لإذابة القلوب القاسية، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي. إذا قسا القلب قحطت العين، قسوة القلب من أربعة أشياء، إذا جاوزت قدر الحاجة الأكل والنّوم والكلام والمخالطة، كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطّعام والشراب، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ. ومن أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته. القلوب المتعلّقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها. القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها، اشغلوا قلوبهم بالدنيا ولو شغلوها بالله والدّار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة، ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وطرف الفوائد. إذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكّر ونقي من الدغل رأى العجائب، وألهم الحكمة»(الفوائد). «القلب المخبت ضد القاسي والمريض، والله -سبحانه- الذي جعل بعض القلوب مخبتا إليه، وبعضها قاسيا، وجعل للقسوة آثارا، وللإخبات آثارا، فمن آثار القسوة: تحريف الكلم عن  مواضعه، وذلك من سوء الفهم وسوء القصد، وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب، ومنها نسيان ما ذكر به وهو ترك ما أمر به علما وعملا، ومن آثار الإخبات: وجل القلب لذكره -سبحانه- والصبر على أقداره والإخلاص في عبوديته والإحسان إلى خلقه» (شفاء العليل). ولعلك تذكرنا ببعض ما ورد في صفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – من لين القلب وهديه في هذا الأمر. – دعني أبحث لك في هاتفي: في أقل من دقيقة وجدت ضالتي، اسمع يا (أبا خالد): يقول -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159). عن عطاء بن يسار – رضي الله عنه – قال: «لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في التوراة، قال أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا» (البخاري). وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجل يشكل قسوة قلبه، قال: «أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك» (حسن لغير) (صحيح الترغيب). إن العبد يحتاج أن يلين قلبه، ولاسيما مع انتشار الحياة المادية والمظاهر الدنيوية، التي أصبحت غاية كثير من الناس، يحتاج بين فترة وأخرى أن يتذكر الموت، والآخرة، والوقوف بين يدي الله، بل كلما ازداد العبد علما بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانا ولينا في قلبه، لأن العقيدة الصحيحة بالله هي مفتاح كل خير، من أعمال القلوب وأعمال الجوارح.