بعد صلاة العشاء، رافقني (أبو أحمد) مشيا إلى مساكننا. – تحدثنا عن (الأمن من  مكر الله)، وأنه لا ينبغي لعبد أن يأمن مكر الله، ولاسيما إن كان معرضا عن دين الله، غارقا في معصية الله، وماذا عن (القنوط من رحمة الله).؟ – ربما نستطيع أن نقول: «إن على المؤمن ألا يأمن مكر الله»، وعلى العاصي «ألا يقنط من رحمة الله»؛ وذلك  لقول الله  -تعالى-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53). قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -:  «هذه  أرجى آية في كتاب الله»؛ فالفقيه هو الذي لا يُيَئِس الناس من رحمة الله، ولا يجرئهم على معصية الله. – كلام جميل، زدنا من تفسير هذه الآية. – في تفسير ابن  عاشور (يغفر الذنوب)، الألف واللام قد صيرت  الجمع الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم الاستغراق بمعنى إن الله يغفر كل ذنب كائنا ما كان إلا ما أخرجه النص القرآني وهو الشرك، ثم لم يكتف بذلك بل أكده بقوله (جميعا)، فيا لها من بشارة ترتاح لها النفوس! وما أحسن التعليل {إنه هو الغفور الرحيم}.! وهنا أذكر كلام ابن القيم في الأسماء الحسنى المقترنة التي تختم بها الآيات: «فإن لله -عز وجل- كمالا من اسم الغفور، وكمالا وجمالا من اسم الرحيم، وكمالا جديدا من اقتران هذين الاسمين فهو -سبحانه- (الغفور الرحيم)..»، فلا شك أن الغفور الرحيم لن يعذب عباده التائبين! – وما الفرق بين اليأس والقنوط؟ – (اليأس) و(القنوط) كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا في المعنى، وإذا تفرقتا اجتمعتا في المعنى، و(اليأس) ورد في قوله -تعالى- عن يقعوب: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87). وقالوا القنوط أشد اليأس، وقال آخرون بل اليأس أشد من القنوط؛ لأنه صفة الكافرين، وقالوا اليأس يكون مع المصيبة، وهو انقطاع الأمل من زوالها، والقنوط مع المعصية وهو استبعاد مغفرتها، وعلى كل حال المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، مهما كان ذنبه، ومهما كانت مصيبته! وفي الحديث عن ابن  عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا قال: «يا رسول الله ما الكبائر؟ قال:  الإشراك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله» (حسنه الألباني). منازلنا تبعد سبع دقائق مشيا إلى المسجد، ومنزل (أبي حمد) قبل منزلي بمئة متر تقريبا. – ولا ينبغي أن  يكون (الرجاء)  برحمة الله ومغفرته سببا في التهاون في المعصية فضلا عن الدوام عليها؛ فالعبد ينبغي أن يخوف نفسه من قصد المعصية والعزم عليها؛ فإن قصدتها فليخوفها من  ارتكابها، فإن غلبته فليخوفها من الإصرار عليها وليأمرها بالتوبة، وأن الله يغفر الذنوب جميعا، فإن أصرت على الذنب فليذكرها بالاستغفار وأن الله يغفر الذنوب جميعا، فإن أصرت على الذنب قنوطا من رحمة الله فليذكرها أنه لا يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون. اقترح علي صاحبي أن نقرأ ما ذكره ابن تيمية في مسألة القنوط. – لك ذلك فالكتب كلها -ولله الحمد- محمولة في جيبي! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الآية السابقة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53): المقصود بها النهي عن القنوط من رحمة الله -تعالى- وإن عظمت الذنوب وكثرت، فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله، ولا أن يقنط الناس  من رحمته. والقنوط من رحمة الله بمنزلة الأمن من مكر الله -تعالى- وحالهم مقابل لحال مستحلي الفواحش؛ فإن هذا أمن  مكر الله بأهلها وذاك قنط أهلها من رحمة الله، والقنوط يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له؛ إما لكونه إذا تاب لا يقبل الله توبته ويغفر ذنوبه، وإما بأن يقول نفسه لا تطاوعه على التوبة بل هو مغلوب معها، والشيطان قد استحوذ عليه فهو ييأس من توبة نفسه، وإن كان يعلم أنه إذا تاب غفر الله له، وهذا يعتري كثيرا من الناس، والقنوط يحصل بهذا تارة وبهذا تارة، فالأول كالراهب الذي أفتى قاتل تسعة وتسعين أن الله لا يغفر له فقتله، وكمل به مائة، ثم دل على عالم فأتاه فسأله فأفتاه بأن الله يقبل توبته  والحديث في الصحيحين، والثاني  كالذي يرى للتوبة شروطا كثيرة، ويقال له: لها شروط كثيرة يتعذر عليه فعلها فييأس من أن يتوب» (مجموع الفتاوى).