– وما الفرق بين العجب والكبر والخيلاء؟ – أما الكبر فقد فسره النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» (مسلم). أي رد الحق، وظلم الناس والاستعلاء عليهم؛ فالكبر يحتاج إلى أناس يتكبر عليهم، وأما العجب، فلا يحتاج إلى غيره، فيعجب المرء بشيء عنده ولم يعرف به أحد، ويرجع ما يعجب به إلى نفسه ولا يرى فضل الله عليه، أما الخيلاء فهو أعلى من العجب، ودون الكبر، وهو أن يرى نفسه أفضل من غيره، فيكبر نفسه ويصغر غيره. كنت وصاحبي نتجاور في مكتبته التي تبرع بأكثر من ٩٠٪  من كتبها للجان الدعوة في أفريقيا، وأبدلها بجهاز حاسوب، فيه أكثر من عشرين ألف كتاب لا يحتاج للاتصال بالشبكة العنكبوتية، فضلا عن البحث الفوري في الشبكة. – وقد ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – الخيلاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا، والإيمان يمان والحكمة يمانية، والسكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر..». وفي الصحيح عن أبي هريرة  – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخير والإبل والفدادين في أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم» (صحيح البخاري). والفدادون:  هم الذين يرفعون أصواتهم وهي عادة أهل الإبل في التعامل مع إبلهم، وقيل هم رعاة الإبل والبقر والحمير، وفي رواية في الصحيحين: «في الفدادين عند أصول أذناب الإبل»، ومن  هذا الحديث نفهم معنى الخيلاء، وهو عكس السكينة، التي هي الطمأنينة والتواضع. جلس صاحبي خلف جهاز الحاسوب. دعني أقرأ لك بعض ما جمعت من هذا الموضوع: سميت الخيلاء والمختال مختالا؛ لأن المختال يتخيل في نفسه من عظمته وقدره ما لا حقيقة له، والله لا يحب كل مختال فخور. وأكثر ما يكون الخيلاء بالأفعال، كأن يتخايل في مشيته، أو في مركوبه، أو في ملبسه، أو نحو ذلك. في غزوة أحد ورد أن أبا دجانة أعلم بعصابة حمراء فنظر إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو مختال في مشيته بين الصفين، «فقال إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع» (الطبراني في معجمه الكبير). وعن ابن جابر بن عتيك الأنصاري عن  أبيه  قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن  من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في ريبة وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة وأما الخيلاء التي يحب الله أن  يتخيل العبد بنفسه لله عند القتال وأن يتخيل بالصدقة» (تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره). وعن  ابن  عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله  – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا ينظر الله إلى من  جر ثوبه  خيلاء»، متفق عليه. وفي لفظ آخر عند البخاري: «من  جر ثوبه مخيلة: لم ينظر الله إليه يوم القيامة». وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة». قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والأصل في ذلك قوله -تعالى-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18)، وقوله -عز وجل-: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد:23)، وقول -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (الأنفال:47). فذم الله -سبحانه وتعالى- الخيلاء والمرح والبطر. قال ابن القيم عن العجب: «أصله: رؤية نفسه، وغيبته عن  شهود منة ربه وتوفيقه». والخيلاء: أن يرى نفسه فوق ما هي عليه، أو ما تستحقه، أو يرى الناس عظمة نفسه. والفخر: هو التمدح بالخصال وذكر المناقب، بتفضيل نفسه على غيره. وهذه الخصال بينها من التداخل ما يجعلها مترابطة، ولاسيما الفخر والخيلاء؛ فلا يكاد يتصف أحد بخصلة  منها، فيسلم من أختها. وكأن هذه الصفات قنوات تنبع من معين واحد وهو: الكبر، وتخيل عظمة نفسه وفضله، وإرادة تعظيم الخلق له، وحمدهم له. وقال ابن كثير: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي: مختالا في نفسه، معجبا متكبرا، فخورا على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض» انتهى من تفسير ابن كثير. – وما المخرج من هذه الآثام، والحفظ منها؟ – العلاج، دائما بنقض الأسباب، فينظر إلى النقض الذي فيه وعيوبه ويرجع الخير الذي فيه لله -عز وجل-، وأن الله يختبره بما أنعم عليه، ويذكر نفسه أن الله مطلع عليه وينظر إلى قلبه، ولا ينسى أن آثام القلوب وذنوبها أعظم عند الله من ذنوب الجوارح، ويدعو الله -عز وجل- صادقا مخلصا، كما في دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم . «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» (رواه مسلم).