– عندما نقرأ حديثا يبين فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – أن عملا ما من أعمال القلوب أو الجوارح، يمنع صاحبه  من دخول الجنة، فإن ذلك لا يعني أنه مخلد في النار. كنت في مجلس عائلي ننتظر اكتمال العدد؛ لإحضار العشاء. – هل لك أن تبين لنا هذه القاعدة؟ كانت السائلة أصغر أخواتي، تعدت الأربعين بعامين. – نعم  يا أم عبدالرحمن، مثلا قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة قتات» صححه الألباني. «لا يدخل الجنة من  كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» (الصحيحة). «لا يدخل الجنة من  لا يأمن جاره بوائقه» (صحيح الترغيب). «لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري» (صحيح الترغيب). هذه الأحاديث وغيرها، لا يفهم منها أن صاحبها محروم من الجنة مطلقا، فيكون خالدا في النار؛ وذلك أن الخلود في النار لا يكون إلا للمشرك الكافر المنافق نفاقا اعتقاديا. فمعنى هذه الأحاديث، أنه لا يدخل الجنة دون عذاب، ولا يدخل الجنة ابتداء، إن لم يتب، وإن لم تكن له حسنات تغلب هذه الذنوب العظيمة، وإن لم يغفر الله له هذه المعاصي الكبيرة. فهذه الأحاديث تحذر من الوقوع في هذه الخطايا، التي بعضها في القلب مثل الكبر، وبعضها من الجوارح مثل النميمة. عقب أبو زكريا. – أول مرة أستوعب هذا المعنى؛ ربما لأني لا أتتبع مثل هذه المواضيع، أكمل شرحك وتوضيحك يا أبا معاذ. – لعلي أتبنى قولا لابن مسعود – رضي الله عنه – يقول: «ثلاث هن أصل كل خطيئة فاتقوهن واحذروهن: إياكم والكبر! فإن إبليس حمله الكبر على ألا يسجد لآدم، وإياكم والحرص! فإن آدم حمله الحرص على أن  يأكل  من الشجرة، وإياكم والحسد! فإن ابن آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا» (ابن عساكر)، والحديث ضعفه الألباني أي أنه لا يصح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم – ولكن من كلام ابن مسعود – رضي الله عنه . وهذه الذنوب الثلاثة، الكبر والحرص والحسد، ذنوب قلبية عظيمة والقلب الذي يتشرب منها غير مؤهل أن يدخل الجنة ابتداء، ولعل أشدها الكبر، والحديث الصحيح في الكبر يرويه ابن مسعود – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، فقال – صلى الله عليه وسلم -: إن الله -تعالى- جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمص الناس»، وفي رواية: «بطر الحق وغمط الناس» (السلسلة الصحيحة). ففي هذا الحديث تعريف للكبر، الذي ينبغي على العبد ألا يكون في قلبه مثقال ذرة منه، و(بطر الحق): رده، ورفضه وعدم قبوله، وغمص أو غمط الناس: الترفع عليهم والاستعلاء والاستهانة بهم، هذا هو الكبر، وهو من أعظم ذنوب القلوب، وأول المتكبرين إبليس: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف:١٢). ومن البشر فرعون: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:٤)، وفي الزخرف: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}، يخبر عن تكبره على نبي الله موسى -عليه السلام- وفي سنن الترمذي: «لا يزال العبد يذهب بنفسه (أي يرتفع) ويتكبر حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم» (ضعفه الألباني). وفي سنن أبي داوود والترمذي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل  الذي يدهده الخرأة بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء: إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب» (صحيح الترغيب). فالكبر يبدأ صغيرا في القلب، وينمو حتى يطغى العبد، ويرى أنه خير من غيره، ويعظم في نفسه حتى لا يقبل الحق إن لم يكن وفق هواه، كما قال الله عن الكفار. {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الأنفال:٣٢)، وكان الأولى أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه ووفقنا لاتباعه. عقب أبو فيصل على هذه الآية: – والله لقد سمعت أحدهم يقول: «إن كان  هذا هو الضلال فإنه  أحب إلي من الهدى الذي عند غيري، وإن كان هذا يؤوي بي إلى جهنم فإن  جهنم أحب إلي من الجنة التي عند غيري..». – لنتابع حديثنا عن الكبر. – نعم، والآيات في ذم (الكبر) كثيرة، ولعلي قبل ذلك أذكر أن من أسماء الله -تعالى- الحسنى (المتكبر)، كما قال -تعالى-: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر:23)، فهو -سبحانه- المتكبر، والكبرياء في  حقه صفة  كمال -عز وجل-، ولا تكون لغيره -سبحانه-؛ لذلك ورد في الحديث في صحيح مسلم: عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – وأبي هريرة  – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله -عز وجل-: «العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن  نازعني شيئا منهما عذبته» وفي صحيح أبي داوود عن عوف بن مالك الأشجعي – رضي الله عنه – في وصفه لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه  كان يقول في ركوعه: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة»، فهذه الصفات لا تصرف إلا لله -عز وجل. بدأ الحضور يتوافد وكل دخل أحدهم ألقى السلام وجلس مستمعا طلبت شقيقتي أن تجهز العشاء. – والعبد إذا تذكر حاله فمم  خلق؟ (من ماء مهين) وإلى أي شيء يصير؟ (جيفة تأكلها الديدان)، وبين هذا وهذا تصرعه أصغر المخلوقات (الجراثيم والميكروبات)، ويلزمه الفراش أضعف الأمراض، على ماذا يتكبر، وهو بهذا الضعف؟! ففي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بزق في كفه ثم وضع أصبعه السبابة يفرك البصقة في كفه ثم قال: (يقول الله -عز وجل-: يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا؟ حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي أتصدق وأنى أوان الصدقة؟» (صحيح الجامع)، وأختم بهذا الحديث، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن  جده قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر (النمل) في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم، يقال له بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة  الخبال» (صحيح الترغيب والترهيب).