– يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «واعلم أن كثيرا من الناس يسبق إلى ذهنه من ذكر الذنوب: الزنا والسرقة ونحو ذلك، ولا يعلم هذا المسكين أن أكثر العقلاء لا يسرقون ولا يزنون حتى في جاهليتهم وكفرهم، ولكن الذنوب تتنوع وهي كثيرة، ومنها الفخر والخيلاء والحسد والكبر والرياء» وهي أشد من ذنوب الجوارح. – ولماذا لا ينتشر هذا المفهوم  بين المسلمين، أيامنا هذه لا أحد يذكر (ذنوب القلوب) وخطورتها، إلا ما نذر. – أظن هذا تقصير من الخطباء وطلبة العلم والدعاة، وربما لانتشار المعاصي الظاهرة، فيتكلمون عما يظهر للناس، أما العلماء السابقون فقد أجمعوا على خطورة  ذنوب القلوب؛ ففي كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر)، يقول ابن حجر الهيثمي: (الباب الأول: في الكبائر الباطنة وما يتبعها وقدمتها لأنها أخطر ومرتكبها أذل العصاة وأحقر؛ ولأن معظمها أعمّ وقوعا وأسهل ارتكابا وأمّر ينبوعا فقلما ينفك إنسان عن بعضها، ولقد قال بعض الأئمة: كبائر القلوب أعظم من كبائر الجوارح؛ لأنها كلها توجب الفسق والظلم وتزيد كبائر القلوب بأنها تأكل الحسنات وتوالي شدائد العقوبات. – كلام  خطير، ينبغي أن ينتشر بين عامة المسلمين حتى يحذروا هذه الذنوب. كنت وصاحبي في طريقنا لصلاة العشاء، مشيا على الأقدام في مسجد قريب من الواجهة البحرية؛ حيث كان لنا موعد للعشاء مع بعض الأصدقاء، بقي على الأذان سبع دقائق. – من هذه الذنوب العظيمة التي يغفل عنها كثير  من الناس (العُجب)، وهو مرض دقيق خفي يتسلل إلى القلب، فإن تمكن منه انقلب إلى مرض أخطر وهو (الكبر). – أعوذ بالله. – هكذا كانت ردة فعل صاحي مباشرة. – نعم يا (أبا صالح)، العجب يدخل جميع القلوب، لأي سبب، المال، الشهادة العلمية، والعائلة والقبيلة، والمنصب، والهيئة والجمال، والرأي والمنطق؛ فيرى أحدهم أنه خير من غيره، فيترفع عليه، ويستهزئ به. – كنت قد قرأت حديثا، قبل أيام  على ولوحة المسجد عن العجب وأنه من المهلكات. – نعم هو حديث صحيح: عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، فأما المهلكات فشح مطاع، وهو متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات فالعدل في الغضب، والرضا والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله -تعالى- في السر والعلانية..» (صحيح الجامع). والأحاديث في بيان خطوة (العجب) كثيرة، ومتنوعة ففي المسند عن أبي بن  كعب -رضي الله عنه – قال:  «انتسب رجلان  على عهد موسى -عليه السلام- فقال أحدهما:  أنا فلان  بن فلان حتى عد تسعة فمن أنت  لا أم لك؟ قال: أنا فلان  بن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى -عليه السلام- أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت  أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم، وأما أنت  يا هذا المتنسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة»  (السلسلة الصحيحة). وفي الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:  قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «بينما رجل يمشي في حُـلّة تعجبه نفسه  مرجّلٌ جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة» (متفق عليه). فالعجب داء قلبي يفسد مآل الإنسان  وإذا لم يتداركه العبد في بدايته، تحول إلى داء أعظم يصعب الخلاص منه: الكبر، انطلق أذان العشاء، فأمسكنا عن الحديث نردد ما يقول المؤذن وأجلنا حديثنا بعد الفراغ من الصلاة. أدينا السنة، فإذا بالمؤذن يقيم الصلاة! بعد الصلاة، تابعنا: – هذا أسرع مسجد يقيم الصلاة بعد الأذان، لم يكن بينهما سوى سبع دقائق. – هكذا هي المساجد التي في الأسواق وعلى الطرق تختلف عن المساجد التي في الأحياء السكنية. تابعنا حديثنا: – تذكرت الآن حديثنا عن أنس -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «لو لم  تكونوا تذنبون خشيت  عليكم أكثر من ذلك: العجب» (السلسلة الصحيحة). – إنه تحذير شديد من النبي -صلى الله عليه وسلم -، وكأن العجب بالدين أشد خطرا من العجب بالأمور الدنيوية. – نعم هو كذلك، من دخله العجب  لأجل كثرة صلاته أو صيامه أو علمه الشرعي أو حفظه  لكتاب الله، فهذا أشد ممن دخله العجب لأجل مال أو نسب أو منصب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكثيرا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب: فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق (إياك نعبد) والمعجب لا يحقق قوله: (إياك نستعين)» (مجمع الفتاوى ج١٠، ص217). وفي الحديث عن  أبي هريرة – رضي الله عنه -: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلهكم» (مسلم)، و(أهلكهم) بضم الكاف. قال العلامة ابن عبدالبر في الاستذكار: «هذا الحديث معناه لا احتقارا للناس وازدراء بهم وإعجابا بنفسه». جمعنا المكان الذي نريد، وأرشدنا موظف الاستقبال إلى المائدة التي حجزت باسم  صاحب الدعوة، كنا أول الواصلين. – فالعبد أول ما ينبغي أن  يجاهد نفسه ويذكرها بتقصيرها في حق الله -عز وجل-، وأنه مهما بلغ من العبادة لن يؤدي حق الله عليه، وعليه أن يستعين بالدعاء حتى لا يدخل العجب قلبه. ولا يرى بألا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس ويعلم أنه لا يستغني بعمله عن رحمة الله، كما في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحدا بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن  يتغمدني الله برحمة منه…» (صحيح مسلم).