(طارق) من الذين يلتزمون بصلاة الجماعة لفترة، ثم يختفي فترة أخرى، ثم يعود للمسجد لجميع الصلوات بما فيها صلاة الفجر ثم يختفي، انتظرني بعد صلاة عصر الجمعة، سألني: – هل يمكن أن آخذ من وقتك؟ – بالطبع، تعال نجلس في مكتبة المسجد. بعد فترة صمت، قال: – أخشى أن أقع في الكفر! أحيانا تأتيني أفكار لا أستطيع السيطرة عليها. قاطعته: – ما يأتيك ليس بكفر، ما يأتيك وسواس يأتي لأي مسلم، الكفر هو الشك في الله أو الملائكة أو اليوم الآخر أو غيرها من أركان الإيمان، أما الوسواس فلا شيء. استغرب إجابتي، وكأنني أهون من  أمر عظيم! – وما الفرق بين الشك، والوسواس؟ – هذا السؤال، صحيح، والإجابة عنه ينبغي أن يتعلمها كل مسلم حتى لا يصبح فريسة سهلة للشيطان. اعتدل في جلسته، وأصغى منتبها، يريد أن  يسمع التفصيل.

  • أولا: الوساوس هي خواطر شيطانية، تأتي قلب الإنسان وفكره لا إراديا، ويمكن بل يجب التخلص منها، كما علمنا رسول الله – صلى الله عليه و سلم -، فقد شكا بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لرسول الله – صلى الله عليه و سلم .

قالوا: «يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال – صلى الله عليه و سلم -: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان»، بمعنى أنه إذا أتى ودفعتموه، فهذا هو الإيمان، وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم -: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من  خلق كذا؟ من  خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله ولينته»، بمعنى أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ فإن هذا يوقفه، ولا يستمر مع هذا الوسواس، وهذه الوساوس لا أثر لها، ولا ذنب فيها، وتذهب بمجرد ذكر الله، والاستعاذة من الشيطان. أما الشك، فهذا أمر إرادي، يأتيه الإنسان، ويحاج به، وهو نقيض (اليقين)، وهو الذي فعله الكفار مع جميع أنبياء الله -تعالي-، كما قال -تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)  قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} (إبراهيم). فالعبد لا يخرج من  دائرة الكفر ويدخل دائرة الإيمان، حتى يحقق اليقين بما جاء من عند الله -عز وجل-، ويجب عليه أن يكون صادقا متيقنا بأركان الإيمان، لا يشك في شيء منها، كما قال النبي – صلى الله عليه و سلم -: «لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة»، وفي رواية «مستيقنا بها قلبه» (مسلم). فالعبد يتعلم ما يجب عليه من أركان الإيمان، ويصدق بهذه الأركان ولا يتزعزع هذا العلم والتصديق أبدا؛ لأنه يكون يقينا لا يخالطه شك. سألني: – وما الفرق بين الريب والشك؟ – هاتان كلمتان إذا افترقتا كان لهما معنى واحد، وهو التردد بين شيئين، والنجاة لا تتحقق إلا بانتفاء الشك، والريب في دين الله -تعالى- وأركان الإيمان. الكفر الأكبر خمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق. فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل، وهذا القسم قليل في الكفار؛ فإن الله -تعالى- أيد رسله وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة، قال الله -تعالى عن فرعون وقومه-: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14)، وقال لرسوله -[-: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام:33)، وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح؛ إذ هو تكذيب باللسان، وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله، ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول – صلى الله عليه و سلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، كما حكى الله -تعالى عن فرعون وقومه-: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (المؤمنون:47)، وقول الأمم لرسلهم: {إن أنتم إلا بشر مثلنا} (إبراهيم:10). وقوله: {كذبت ثمود بطغواها} (الشمس:11)، وهو كفر اليهود، كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (البقرة:89)، وقال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقره:146)، وهو كفر أبي طالب أيضا؛ فإنه صدقه ولم يشك في صدقه، ولكن أخذته الحمية وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم ويشهد عليهم بالكفر. وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول – صلى الله عليه و سلم -، لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي – صلى الله عليه و سلم -: والله أقول لك كلمة: إن كنت صادقا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك. وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه بل يشك في أمره وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول – صلى الله عليه و سلم – جملة؛ فلا يسمعها ولا يلتفت إليها، وأما مع التفاته إليها ونطره فيها: فإنه لا يبقى معه شك؛ لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيما بمجموعها؛ فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار. وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر. وكفر الجحود نوعان: كفر مطلق عام، وكفر مقيد خاص. فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله -عز وجل- وإرساله الرسول – صلى الله عليه و سلم -، والخاص المقيد: أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله -تعالى- بها نفسه أو خبرا أخبر الله -تعالى- به عمدا أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض، وأما جحد ذلك جهلا أو تأويلا يعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله -تعالى- عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله -تعالى- له ورحمه لجهله؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله -تعالى- على إعادته عنادًا أو تكذيباً.