– منذ بدأت التعمق في دين الله، قراءة، ودراسة، وتلمذة، وحضورا للندوات والمؤتمرات، وأنا أركز على العقيدة، والتوحيد؛ ذلك أنني رأيت أقرب الناس إلي يزورون الأضرحة، ويشدون الرحال إلى المشاهد، للتقرب إلى الله عند القبر وبحضرة الضريح، وينفقون الأموال نذرا لصاحب الضريح، ويعتقدون حازمين أنه يقضي حاجاتهم؛ فيشفي المريض، ويفرج  الهم، ويخرج من الكربات، ويرجع الغائب، ورأيت أكثر من مرة من يرى بعد عمى، عندما تقرب أهله إلى الضريح ودعاه! ومن مشى على رجليه، بعد أن كان كسيحا! هكذا نقلوا لنا الخبر عندما كنا في إحدى الزيارات، سمعنا تهليلا وتكبيرا، إيذانا بهذين الحديثين، وإن كنا لا نعلم شيئا عن حقيقة الأمر. – إذًا اهتمامك بالعقيدة لم يكن من فراغ – كلا، بل من واقع عشته، مع أني لم أمارس شيئا من ذلك ولم يدخل قلبي شيء من هذه المعتقدات، إلا أن والدتي -رحمها الله- كانت حريصة على أن تأخذنا إلى هذه الأماكن؛ لأنها كانت (متدينة) وأرادت أن نتربى تربية دينية بعيدا عن الفواحش والمحرمات. استدعاني أحدهم للقاء إذاعي، بإيعاز من أحد المصلين في مسجدنا يعمل في الإذاعة، وكان اللقاء ضمن  برنامج (واحة المستمعين). – وما الذي جعلك لا تتبنى هذه العقيدة التي كانت عليها والدتك؟ – الفضل أولا لله -عز وجل-، ومنذ كنت ربما في الصف السابع في سن الثانية عشرة من عمري، وأنا أتساءل، هل يعقل أن تنفع هذه الأمور، أعني المبيت عند الضريح، والذبح عنده، والنذر له؟ ولماذا لا يكون  عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، فهو الأجدر أن ينفع لو كان بمقدور مخلوق أن يجلب نفعا أو يدفع ضرا؟ وبالطبع بقيت هذه التساؤلات في قلبي ولم أطلع عليها أحدا، ثم بدأت بقراءة كل كتاب أحصل عليه في العقيدة، وأظن من أولها كتاب (الأصول الثلاثة)، وجدته في المسجد الذي أصلي فيه، وهكذا بدأت  مسيرتي مع كتب العقيدة، ثم بدأت استمع إلى من أثق به من العلماء، وأحضر الندوات، وأزور المشايخ، أناقش، وأقارن، وأحاول أن أجمع وبعد انتهائي من المرحلة الجامعية الأولى، بدأت أجمع أهلي وأقاربي وأبيّن لهم، وكانوا يقبلون مني لثقتهم بي وحسن تعاملي معهم، وتفوقي في دراستي ورضا والدتي عني. – وما الذي كنت تركز عليه في البدايات؟ – كان كل همي أن أبيّن لهم خطورة الوقوع في الشرك، وأن الشرك يحبط العمل، وآتي بآيات من كتاب الله، مثل قول الله -تعالى-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر:65)، وقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء:48). وأن الشرك ليس عبادة الأصنام، فحسب مع أن الأصنام لم تكن إلا رموزا لأناس صالحين ماتوا، وإنما الشرك عبادة قلبية واعتقاد في الوجدان بأن أحدا ينفع ويضر ويعطي ويمنع، لمكانته عند الله! كما قال الله عن مشركي قريش الذين بعث فيهم الرسول – صلى الله عليه وسلم -: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3)، فهؤلاء لم يعبدوا غير الله اعتقادا بهذه المعبودات، وإنما ليقربوهم إلى الله، بمعنى أنهم واسطة بينهم وبين الله، وهذا الاعتقاد وصفه الله بالشرك، وأمر أن يكون التقرب إليه مباشرة، في الدعاء والاستغاثة، والنذر، والحلف، كما قال -تعالى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن:18)، والشفاعة أيضا، لا يملكها إلا الله كما قال -تعالى-: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} (يونس:3)، وكذلك {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة:255)، حتى النبي – صلى الله عليه وسلم -، لا يملك الشفاعة لأحد إلا بعد أن يستأذن ربه، ويأذن له ربه، أن يشفع لفئة معينة كما في حديث الشفاعة الطويل. قاطعني مقدم البرنامج: – وهل كانت هناك استجابة وقبول لما تقول؟ استأذنته أن آخذ جرعة ماء. – كان هناك تلقٍّ واستماع، وذلك أن الموضوع كان جديدا في وسط أسرتنا، وبفضل الله، ظهرت نتائجه بعد سنين، بأن الغالب فهم معنى التوحيد، والشرك، وأنه ينبغي أن يحذر المرء كل الحذر من الوقوع في الشرك. وماذا عن الفرق بين الكفر والشرك؟ – هذان لفظان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، الكفر معناه لغة التغطية؛ ولذلك يسمى الزراع (كفار)، كما قال -تعالى- في وصف أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح:29). فالكافر هو من يغطي الحق، وينكره، كمن ينكر شيئا من أركان الإيمان: الإيمان بالله، والملائكة والكتب الرسل واليوم الآخر، والقضاء، والقدر. والشرك صرف شيء مم اختص الله به لغير الله أو مع الله، كمن يعبد الله، ويعبد معه غيره، كمن يدعو الله، ويدعو المخلوق، فيقول: (يا الله.. يا رب)، ثم يقول (يا فلان)، ويعتقد أن  هذا المخلوق ينفع وإلا لما دعاه، وكمن يسجد لله ويسجد لغير الله، وكمن ينذر لله، وينذر لغير الله، فهو يعبد الله ويعبد مع الله مخلوقا يعتقد فيه أنه ينفع في شيء من دخول الجنة أو النجاة من النار، أو الرزق، أو العافية، أو غير ذلك من أمور الدنيا أو الآخرة؛ ففي الحديث، يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يقول الله -تعالى-: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي غيري تركته وشركه» (مسلم). قاطعني مقدم البرنامج مرة ثانية: – لا أظن أن العامة بحاجة لمعرفة تفاصيل العقيدة ودقائقها وخلاف علماء السنة والفلاسفة والطوائف في المسميات، وإنما الرجل العامي المسلم يحتاج إلى مفاهيم عامة، كما كان عامة المسلمين في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبعده. – أحسنت، نعم لا ينبغي الخوض في نقاش كلامي أو فلسفي حول مفاهيم العقائد، بل العقيدة والتوحيد الذي أتى به النبي – صلى الله عليه وسلم – بسيط واضح، بدأ بـ(لا تعبدوا إلا الله)، لا تتقربوا إلى الأصنام، ولا إلى الأموات؛ فإنه لا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا إلا الله، كما في حديث ابن عباس: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» (صحيح الجامع)، على العبد ألا يدعو غير الله، فلا يدعو مع الله أحدا، ولا ينذر إلا لله، ولا يذبح تقربا إلا إلى الله، ولا يحلف بغير الله، ولا يتعلق قلبه حبا وتعظيما وخوفا ورجاء، بأحد مع الله، نعم نحب النبي – صلى الله عليه وسلم – وحبه  دين، ونحب أهل البيت وحبهم دين، ونحب الأولياء والصالحين وحبهم دين، ولكن حبهم ليس كحبنا لله -عز وجل-، وتعلقنا بالله، نسأل الله أن يشفعوا لنا بحبنا لهم، ولكنهم لا يملكون هم الشفاعة وإنما بإذن الله، ولا أحد يملك المغفرة إلا الله، ولا أحد يملك إدخال الجنة والنجاة من النار إلا الله، فإذا نقى العبد قلبه لله -عز وجل-، وصرف هذه العبادات لله وحده، ودعا الله مخلصا أن يوفقه للتوحيد الخالص وينجيه من الشرك، فهذا هو المطلوب من عامة المسلمين.