قرأ إمامنا آيات من سورة غافر ومنها: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)}، بعد الصلاة، وكانت صلاة العشاء. – اسمحوا لي بخاطرة قصيرة، عن بعض الآيات التي سمعناها في الصلاة، وهي آية واحدة، آية التفويض إلى الله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّه}، وكانت ختام (الموعظة) التي ألقاها هذا المؤمن على أسماع أشد كفار الأرض! وكانت النتيجة: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)}. إن تفويض العبد أمره إلى الله، نتائج إيمان وإسلام وثقة وحُسن ظن بالله -عز وجل-، إيمان بأسماء الله وصفاته بأنه اللطيف الخبير العليم الرؤوف الرحيم القادر القوي العزيز، وغيرها من الأسماء الحسنى والصفات العلا التي تورث اليقين بأن الله أرحم بالعبد منه بنفسه، وأن قضاء الله نافذ، وقضاؤه كله خير، ويتذكر العبد أنه أسلم أمره لله، واستسلم لأمر الله، وأنه عبد له، رب يعطيه ويحميه وينصره ويدبر كل شؤونه، وذكر نفسه بأن يحسن الظن بالله، ولا يحيد عن حسن الظن بالله -عز وجل-، فالمفوض راض بكل ما اختاره له من فوض إليه؛ لأن المفوض إليه هو ربه -سبحانه وتعالى. وفي التفسير: «توقع أذاهم فقال وأفوض أمري إلى الله؛ لأن الله بصير بالعباد، يعلم المطيع والعاصي والمستحق للثواب والمستوجب للعذاب». كانت خاطرة قصيرة جميلة. ختمها إمامنا. وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن، تفويض جميع أموره إلى الله -عز وجل-، إيمانا بالله واستسلاما له، وثقة به، ولجوءا إليه. بعد أداء سنة العشاء، صاحبت إمامنا إلى مسكنه القريب من المسجد. – ليتك أطلت قليلا بهذه الموعظة، كنا بحاجة لتذكر مثل هذه الأمور. – لم أرد أن أطيل؛ لأن بعض المصلين لا يحب الإطالة ولكن دعني أكمل لك ما كنت أعددته. عن أبي سعيد الخدري، قال: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا رفع رأسه من الركوع، قال: ربنا لك الحمد. ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد». قوله: «أحق ما قال العبد»: معناه قوله: «لا مانع لما أعطيت» إلى آخره، وقوله: «وكلنا لك عبد» فيه كمال التفويض إلى الله -تعالى-، والاعتراف بكمال قدرته وعظمته وقهره وسلطانه وانفراده بالوحدانية وتدبير مخلوقاته.  وفي قوله -تعالى-: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. هذه الآية تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور والرضا بما يختاره له، ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة، ومنها أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم؛ فلعل مضرته وهلاكه فيه. وعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – النائم أن يقول كلمات التفويض والإلتجاء والرغبة والرهبة ليستدعي بها كمال حفظ الله له، وحراسته لنفسه وبدنه وأرشده -مع ذلك- إلى أن يستذكر الإيمان وينام عليه، ويجعل التكلم به آخر كلامه، فإنه ربما توفاه الله في منامه؛ فإذا كان الإيمان آخر كلامه، دخل الجنة فتضمن هذا الهدي في المنام مصالح القلب والبدن والروح في النوم واليقظة والدنيا والآخرة، فصلوات الله وسلامه على من نالت به أمته كل خير. عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: «اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت». وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قالهن ثم مات تحت ليلته، مات على الفطرة» (متفق عليه) قوله: أسلمت نفسي إليك أي: جعلتها مسلمة لك تسليم العبد المملوك نفسه إلى سيده ومالكه وتوجيه وجهه إليه، يتضمن إقباله بالكلية على ربه وإخلاص القصد والإرادة له وإقراره بالخضوع والذل والانقياد والتوكل والتفويض. وفي دعاء الاستخارة عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال كان رسول الله -[- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به، قال ويسمي  حاجته» (رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه). قوله: «فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب»؛ فهذا تبرؤ إلى الله من العلم والحول والقوة وتوسل إليه -سبحانه- بصفاته التي هي أحب ما توسل إليه بها المتوسلون، ثم سأل ربه أن يقضي له ذلك الأمر إن كان فيه مصلحته عاجلا أو آجلا، وأن يصرفه عنه إن كان فيه مضرته عاجلا أو آجلا؛ فهذه هي حاجته التي سألها فلم يبق عليه إلا الرضى بما يقضيه له فقال: واقدر لي الخير حيث كان؛ ثم رضني به، فقد اشتمل هذا الدعاء على هذه الحقائق الإيمانية التي من جملتها: التوكل والتفويض قبل وقوع المقدور والرضى بعده، وهو ثمرة التوكل والتفويض علامة صحته فإن لم يرض بما قضى له فتفويضه معلول فاسد. استفدت كثيرا من الذي سمعته من إمامنا – جزاه الله خيرا. – ليتك تكرر مثل هذه الخواطر. ابتسم (أبو محمد) مودعا. – أفعلها -إن شاء الله.