تميز الشيخ (حامد) بخطب الموعظة والترغيب والترهيب، صوته الجهوري وأسلوبه الخطابي، ولغته السلسة، جعلت مسجده قبلة من أراد أن يرق قلبه، وتذرف عينه، ويتذكر الآخرة في خطبة الجمعة.

     طلب صاحبي أن نصلي عنده آخر جمعة من العام الميلادي (2022)، ظنا أننا سنكون في الصف الأول، ولما وصلنا المسجد قبل الأذان الأول، لم نجد مكانا إلا في الصف الثالث، فأدينا السنة، وجلست أقرأ سورة الكهف، وبقي صاحبي يصلي ركعتين إلى أن يصعد الخطيب المنبر، وهذه عادته دائما. لم يخيب ظننا الشيخ حامد، ألقى موعظة بليغة عن قيمة الوقت، وفناء الدنيا واغتنام الفرص للاستزادة والاستعداد للآخرة.

دعنا نستعيد ما ذكره الشيخ، جزاه الله خيرا.

كنا في انتظار خروج المركبات من المواقف، وهذا يستغرق بعض الوقت لكثرة المصلين.

– مدار (الرغبة والرهبة) اللذان لابد أن يكونا مجتمعين في قلب كل مؤمن، مدارهما الشكر وطلب العافية والتوبة النصوح، وهما (الرغبة والرهبة) مفتاح التوفيق، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.

علقت على كلام صاحبي.

– وهنا ذكر الشيخ قضية مهمة، وهي أن (الرغبة والرهبة) بيد الله، وفضل الله يؤتيه من يشاء، ويضعهما الله في قلب العبد إذا كان القلب صالحا لهذه الهبة، فعلى العبد أن يهيئ قلبه، ويدعو ربه، فيرزقه الله (الرغبة والرهبة)، وهما أساس التوفيق والفلاح.

– والموعظة، التي هي الأمر والنهي مقرونان بالرغبة بالنعيم والرهبة من العذاب، يحتاجها، المنيب الطائع، والمعرض الغافل، والمعارض المتكبر، أرسل الله موسى وهارون إلى الطاغية فرعون، ليعظاه، ويذكراه، ويأمراه، وينهياه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه44). {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (طه:48). وكذلك الموعظة لخيرة البشر (الصحابة) كما في الحديث عن عرباض بن سارية: «وعظنا رسول الله -[- موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون» (صحيح أبي داود).

تيسرت أمورنا، وتمكنا من الوصول إلى الطريق السريع الموصل إلى المنازل التي لا تبعد إلا سبع دقائق عن المسجد.

– هل لك أن تبحث في كتاب الله عن آيات الرغبة والرهبة؟

– لك ذلك يا (أبا صالح).

– سبحان الله! هكذا بدأت حديثي بعد أن انتهيت من البحث في هاتفي.

– اسمع يا (أبا صالح).

     الرغبة بمشتقاتها تكررت 8 مرات في كتاب الله، والرهبة بمشتقاتها تكررت 8 مرات في كتاب الله، واجتمعت (الرغبة والرهبة) في آية واحدة فقط هي قوله -تعالى-: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:90).

أما الآيات فهي:

1- {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} (التوبة:59).

2- {عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} (القلم:32).

3- {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (البقرة:130).

4- {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} (النساء:127).

5- {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} (التوبة:120).

6- {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب} (الشرح).

7- {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} (مريم:46).

وآيات الرهبة:

1- {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} (الحشر:13).

2- {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (البقرة:40).

3- {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأعراف:116).

4- {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (الأعراف:154).

 5 – {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (الأنفال:60).

6- {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} النحل:51).

7- {سْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (القصص:32).

– إنه كلام الله -سبحانه.

واسمع هذه الموعظة التي ظهرت لي للتو:

     قال علي بن أبي طالب -رضي اله عنه -: إياكم وتحكيم الشهوات على أنفسكم! فإن عاجلها ذميم، وآجلها وخيم، فإن  لم ترها تنقاد بالتحذير والإرهاب، فسوفها بالتأميل والإرغاب، فإن الرغبة والرهبة إذا اجتمعا على النفس ذلت لهما وانقادت. ثم ضمنها تلاوة كتابه المنزل ليتدبر ما فيه، من أوامره ونواهيه، ويعد إعجاز ألفاظه ومعانيه، ثم بأوقات راتبة، وأزمان مترادفة؛ ليكون ترادف أزمانها وتتابع أوقاتها سببا لاستدامة الخضوع له والابتهال إليه، فلا تنقطع الرهبة منه ولا الرغبة فيه، وإذا لم تنقطع الرغبة والرهبة استدام صلاح الخلق. وبحسب قوة الرغبة والرهبة يكون استيفاؤها على الكمال أو التقصير فيها حال الجواز. (انتهى).

       وفي القرآن الكريم من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد ما يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت عند الإنسان الرغبة  في الخير والرهبة من الشر أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوات نفسه، وينبغي أن يجمع في دعائه بين الرغبة والرهبة.

     ومن حسن الدعاء الجمع فيه بين الرغبة والرهبة، فإنها من سنن الأنبياء قبلنا، قال -تعالى- عن زكريا: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:90). ومن كمال الدعاء أن يجمع الداعي حال دعائه بين الرغبة والرهبة والتوبة: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.