«أعرف الناس بالله أشدهم له تعظيما وإجلالا» (مدارج السالكين: 2/465). كانت خطبة الجمعة جامعة نافعة، هزت مشاعر المصلين، وحركت قلوبهم وذكرتهم بالخوف من الله وتعظيمه وإجلاله، والاستعداد للوقوف بين يديه يوم القيامة. اجتمعت وصاحبي بعد الصلاة في مكتبه، نتذاكر ما ورد في الخطبة. – جزى الله خيرا خطيبنا على هذه الموعظة. – إن تعظيم الله عمل قلبي، ينبغي على العبد أن يستحضره دائما، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله -سبحانه وتعالى- والرسالة لعبده ورسوله -[- ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام الذي هو حال في القلب يظهر على الجوارح، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه» (الصارم المسلول: ج1، ص369). – وماذا يقول ابن القيم عن مقام تعظيم الله -عز وجل؟ أحضر لنا الخادم قارورة الماء وبعض الفاكهة والمكسرات كالمعتاد. – نعم قال ابن القيم عن منزلة التعظيم: «هذه المنزلة تابعة للمعرفة؛ فعلى قدر المعرفة، يكون تعظيم الرب -تعالى- في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيما وإجلالا، وقدم ذم الله -تعالى- من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، قال -تعالى-: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} (نوح:13). قال ابن عباس ومجاهد: «لا ترجون لله عظمة»، وقال سعيد بن جبير: «ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته، وروح العباد هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت العبادة». (مدارج السالكين: 2/495). – كلام جامع مانع. – يحتاج العبد دائما أن يذكر نفسه بعظمة الله -عز وجل-، ويملأ قلبه تعظيما وإجلالا وتمجيدا لله -عز وجل-، فمن أسمائه -سبحانه- (العظيم)، كما ورد في آية الكرسي، التي هي أعظم آية في كتاب الله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (البقرة:255). وكذلك قوله -عز وجل-: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقعة:74). وكذلك قوله -سبحانه-: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (الشورى:4). وأمرنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن نعظم الله -عز وجل- في صلاتنا: عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا؛ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم» (صحيح مسلم). وذلك أن نقول في ركوعنا: «سبحان ربي العظيم»، وكذلك: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة». ولا شك أن العبد إذا استحضر أنه يقف أمام الله -عز وجل- الجبار الملك العظيم، كلما كبر للصلاة، يزداد تعظيما له. – ومن تعظيم الله، تعظيم كتابه؛ لأنه كلام الله-عز وجل- تعظيما ماديا ومعنويا، بمعنى يكرم المصحف ولا يهينه ولا يرميه، ولا يضعه في مكان لا يليق به، ومعنويا، أن يتبع أوامره، وينتهي بنواهيه ويتدبر آياته، ويتفاعل معها، ويؤمن بكل ما جاء به. – لا شك أننا مقصرون كثيرا في هذا الجانب، بغفلتنا عن تعظيم الله، ونغتر أوقاتا كثيرة بأمور الدنيا، ولا يؤثر فيها آيات القيامة والبعث والحساب،  نسأل الله السلامة. – على المؤمن أن يجتهد في هذه العبادة القلبية العظيمة، ويقرأ الآيات التي تبين عظمة الله -سبحانه وتعالى-، مثلا يقول الله -عز وجل-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (مريم). السماوات والأرض والجبال، أعظم المخلوقات تنكر نسبة الولد لله العظيم، وتعظم الله كما ينبغي، وابن آدم يصر على هذا الكفر القبيح، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله -تعالى-: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ فمن نازعني واحدا منهما، أدخلته النار» وفي رواية «قذفته في النار»، ونحن نؤمن بهذا الحديث كما ورد دون تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل، نؤمن به؛ لأنه وحي من الله إلى رسوله. وفي الحديث أيضا: عن عبدالله – رضي الله عنه -، قال: جاء حبر من اليهود، فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل لله السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا لقوله، ثم قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}» (الزمر:67)، (البخاري).