أفضل طرق الجنة سلامة الصدر

– قرأ إمامنا في العشاء الآخر  آيات من سورة الشعراء: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء). غلبته العبرة؛ فبكى، وخيم الصمت على الجماعة، بعد الصلاة، التفت إلينا، وبعد المقدمة قال:

– هذه الآية تختصر للعبد أسباب النجاة يوم القيامة، في سبب واحد وهو (القلب السليم)، وفي صحيح ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه – قال: «قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد».

أنهى إمامنا خاطرته التي لم تتجاوز خمس دقائق، في شرح هذا الحديث.

خرجت وصاحبي آيبين إلى منازلنا مشيا، كما أتينا.

– كثيرا ما ننسى عبادات قلوبنا وطاعاتها، ونغفل أن عبادة القلب أعظم من عبادة البدن، ومعصية القلب أشد من معصية الجوارح، وسلامة القلب عبادة عظيمة، ينبغي أن ينتبه لها العبد ولا يغفل عنها.

– صدقت يا أبا سالم، عبادات القلب تتطلب مجاهدة دائمة ومراقبة مستمرة؛ لأنها عبادات لا يحدها وقت، ولا ترتبط لا بالشمس ولا بالقمر ولا بالليل ولا بالنهار، وسلامة الصدر من العبادات القلبية العظيمة، من أداها فاز، ومن تخلف عنها حرم القبول والمغفرة، حتى يلتزم بها.

استغرب صاحبي مقالتي.

– نعم (أبا سالم)، في الحديث عن أبي هريرة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس؛ فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا» مسلم. وفي رواية: «اركوا هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا» مسلم. وهذا هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمره لأمته، كما في حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه . قال: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» متفق عليه. وذلك أن الهجران والتدابر أصله شيء في القلب؛ فإذا وقع ولم يستطع أن يزيل ما في قلبه، فليتواصل مع أخيه؛ فإن هذا يزيل ما كان في القلب، أيا كان، ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم -، «يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم – أهم أسباب هذا المرض، ومبدأه، فقال – صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاشدوا، ولا تباغضوا،  ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» (البخاري). بغلنا منزل صاحبي وهو الأقرب إلي المسجد، دعاني للدخول اعتذرت بأن لي موعدا مع أهلي، تابعنا الحديث.

– فالعبد إذا نظر إلي فداحة النتيجة، (الحرمان من المغفرة) هان عليه أن يتنازل لأخيه المسلم، وإن كان مخطئا. وأحدنا ينبغي أن يبذل الأسباب حتى يصل إلى سلامة صدره وذلك في كل حين، وأول الأسباب الإخلاص والصدق مع الله؛ ففي الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» (رواه أحمة وصححه الأرناؤوط)، ومن أسباب سلامة الصدر، الرضا بما قسم الله، وحسن الظن بالمسلمين، وعدم تتبع عوراتهم وزلاتهم، والستر على المسلم كما في الحديث:

        عن ابن عمر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: صعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ المنبر فنادى بأعلى صوته: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» صحيح أبي داود.

        وفي الحديث المتفق عليه: «إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث»، وفي زماننا هذا كثير من الناس ينقل الأحاديث عن الآخرين ويسوغ عمله بديباجة: (يقولون…) وهو أحد القائلين.

        هناك حديث سمعته في الإذاعة قبل فترة عن سلامة الصدر ولا أعلم مدى صحته. أخرج صاحبي هاتفه، بحث عن الحديث وأخذ يقرأ علي.

        عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كنا جلوسا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي – صلى الله عليه وسلم – تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي، فعلت. فقال: نعم. قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه، ذكر الله -عز وجل- وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا. فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبدالله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق».

– نعم هذا الحديث اختلف في صحته علماء الحديث، وآخرهم العلامة الألباني -رحمه الله-، حيث صححه، ثم تراجع عن صحته وأخرجه في السلسلة الضعيفة، ولكن يبقى موضوع سلامة الصدر من العبادات القلبية العظيمة، وهي من أعظم النعم على أهل الجنة لتمام التنعم.

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (الحجرات:47).

     وإليك هذا الحديث الصحيح، كان الصحابي أبو ضمضم إذا أصبح قال: اللهم إنه لا مال لي أتصدق به علي الناس، وقد تصدقت عليهم بعرضي؛ فمن شتمني أو قذفني فهو في حل، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم؟» صحيح أبي داود. وكذلك ما صح من أحاديث ليلة النصف من شعبان، ومنها حديث أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ينزل الله -تبارك وتعالى- ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لكل نفس، إلا إنسانا في قلبه شحناء أو مشركا بالله -عز وجل» صحيح لغيره.

وفي رواية: «يطلع الله -تبارك وتعالى- إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» (صحيح).