نزلة الإحسان هي لب الإيمان

بعد صلاة الجمعة، أهداني (أبو سالم) مجموعة أوراق مطبوعة.

– هذه مقالات جمعتها، وعلقت عليها، عن (الإحسان)، ليتك تقرؤها وتخبرني برأيك.

أخذتها مبتمسا.

– لك ذلك -إن شاء الله- ولكن لا تلزمني بوقت.

– خذ ما شئت، لست في عجلة من أمري.

بعد يومين جلست عقب صلاة العشاء في مكتبي، تصفحت ما جمع صاحبي.

       الإحسان بمعناه العام يشتمل إحسان العبد في عبادة ربه، وتعامله مع الخلق، وأعماله، وأقواله ظاهرا وباطنا، قال -تعالى-: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك:2).

       وعن شداد بن أوس – رضي الله عنه – قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح  ذبيحته» (مسلم).

      والإحسان شرط في قبول العمل؛ فإن العمل لا يقبل إلا بشرطين: الإخلاص لله، وموافقته للسنة، وهو الإحسان الذي ذكره الله -تعالى- بقوله: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (لقمان:22). أما الإحسان إذا ذكر مع الإسلام والإيمان فهو أن يعبد العبد ربه كأنه يراه، كما فسره النبي – صلى الله عليه وسلم -:

       قال جبريل -عليه السلام- للنبي – صلى الله عليه وسلم -: ما الإحسان؟، قال: «أن تعبد الله  كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (متفق عليه). وجعل الله جزاء الإحسان الجنة والنظر إلى وجهه الكريم -سبحانه-: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} (يونس:26).

        الحسنى، الجنة، والزيادة، وهي النظر إلى وجه الله -عز وجل-، كما في تفسير ابن كثير عن صهيب أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تلا هذه الآية {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. قال إذا دخل أهل الجنة  الجنة وأهل النار  النار، نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه؛ فيقولون وما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ قال فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، قال فوالله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر بأعينهم» (صحيح على شرط مسلم). والإحسان من العبد جزاؤه الإحسان من الله -عز وجل- وشتان بين الإحسانين، يقول الله -تعالى-: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60).

فمن جزاء الإحسان الذي ذكره الله -تعالى- في كتابه:

معية الله للمحسنين

– {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (النحل:128).

– {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69).

حب الله للمحسنين

– {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:195).

– {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:134).

جزاء الإحسان في الدنيا والآخرة

– {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:58).

– {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:112).

– {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:172).

– {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (المائدة:85).

– {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف:56).

– {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (هود:115).

– {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} (الأحقاف:12).

– {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} (الذاريات).

أبديت بعض الملاحظات على ما كتب صاحبي، التقيته في الجمعة التالية، أخبرته قبل الصلاة أني استمتعت بقراءة ما كتب، وأن نلتقي بعد الصلاة لأعطيه الأوراق ونتجاور عن الموضوع.

– جهدك واضح في جمع هذه الآيات والأحاديث، وليتك تكملها ببيان كيف الوصول إلى درجة الإحسان.

أجاب مبتسما.

– أشكر  لك جهدك ووقتك في قراءة ما جمعت، وبالفعل قمت ببيان سبيل الوصول إلى الإحسان، ولكني لم أحضر ما جمعت، ولكن دعني أخبرك  ما جمعته، من ذاكرتي، السبيل إلى الإحسان بينه النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث التقرب إلى الله: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن الله -تعالى- قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» (البخاري).

       فالعبد يجتهد في الطاعات (الفرائض والسنن)، وينتهي عن السيئات (كبيرها وصغيرها)، ويستغفر الله ويتوب إن وقع منه تقصير، ويدعو الله أن يثبته.

فهذا الحديث يختصر كل ما كتبته.

– أحسنت، أسأل الله أن يتقبل منك هذا الجهد.