{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}

– من القواعد المهمة التي يغفل عنها الكثير، أن كمال الأجر مع كمال العمل، وأن  حصر الإيمان، يعني كمال الإيمان.

– لم أفهم الجزء الثاني.

– مثلا قول الله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال:2)، في التفسير: إنما المؤمنون الكاملو الإيمان، فمن لم يوجل قلبه، لا ينتفي الإيمان منه، ولكن ينقص، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.

     كنت وصاحبي في استراحة الأساتذة، بعد صلاة الظهر بانتظار موعد اجتماع القسم الذي يعقد عادة الساعة 12:30، أخذنا حاجاتنا من المشروبات، صاحبي مدمن قهوة وأنا اكتفيت بالماء البارد.

– وما الفرق بين الخوف والخشية والرهبة والوجل؟

– دعني أبحث لك في هاتفي حتى أفيدك وأستفيد.

     (الوجل) و(الخوف) والخشية) و(الرهبة) ألفاظ متقاربة غير مترادفة، قال أبو القاسم الجنيد: الخوف توقع العقوبة، وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه، وأما الوجل فرجفان القلب، وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته، وأما الهيبة فخوف مقارن للتعظيم والإجلال، وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة، والإجلال: تعظيم مقرون بالحب.

     فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إني لأعلمكم بالله، وأشدكم له خشية» (متفق عليه). ومن هنا فإن الوجل إنما يكون في القلب وهو الخوف مع التعظيم ولا يكون إلا لله -عز وجل-، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (الأنفال:2)، فوجل القلب من أخص صفات المؤمنين، وإنما يكون عند ذكر الله -تعالى-، سواء كان المؤمن ذاكرا لله -تعالى- أم ذكر الله -تعالى- عنده؛ إذ ليس كل من ذكر الله -تعالى- أو ذكر عنده لان قلبه، واقشعر جلده، وفاضت عيناه، وانتابته حالة من الخوف والرهبة، والتعظيم والإجلال والافتقار.

     وفي الحديث: «عن العرباض بن سارية يقول: قام  فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العينون، ….» (صحيح بطرقه وشواهده).

     ومن أهم  علامات الوجل وأماراته الوقوف عند أوامر الله، والرجوع إلى طاعته والحذر من معصيته، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران:135).

     ومن علامات الوجل وأماراته كذلك البكاء من خشية الله -تعالى-، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».

     ويقول الله -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}(المؤمنون)، فهذا هو الوجل المختلط بالمحبة، وتلك هي مقدمات ذكر الله، فأول ما يذكر العبد رب العالمين يشعر بالوجل، ثم سرعان ما يتبدد هذا الوجل إلى طمأنينة، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد:28)، فليس هناك منافاة بين أن يوجل القلب عند ذكر الله وبين أن يطمئن، فإن الوجل هو مقدمة الذكر، والطمأنينة بالذكر الخاتمة. فربنا -تبارك وتعالى- يذكر صفات المؤمنين، كما قال -تعالى-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} (الزمر:23)، هذه مقدمة الذكر، قال: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر:23)، (تلين): هذه هي الطمأنينة، وهي آخر درجات الذكر. توقف عند الاستراحة رئيس القسم ينبهنا لاقتراب موعد الاجتماع ومضى إلى قاعة الاجتماعات.

– وماذا عن  الآية الأخرى من سورة الحج؟

– بل هما آيتان.

     {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الحج). {وبشر المخبتين}، المطمئنين، وعن الضحّاك: المتواضعين؛ فوصفهم بالطمأنينة مع الوجل، كما وصفهم هناك بالتوكل عليه مع الوجل، وكما قال في وصف القرآن: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. فذكر أنه بعد الاقشعرار تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله؛ فذكره بالذات يوجب الطمأنينة، وإنما الاقشعرار والوجل عارض بسبب ما في نفس الإنسان من التقصير في حقه، والتعدي لحده.

     وفي قراءة ابن مسعود – رضي الله عنه -: «إذا ذكر الله فرقت قلوبهم»، وهذا صحيح؛ فإن (الوجل في اللغة) هو الخوف، يقال: حمرة الخجل وصفرة الوجل. ومنه قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}.

     قال عائشة -رضي لله عنها-: «يا رسول الله هو الرجل  يزني ويسرق ويخاف أن يعاقب؟ قال – صلى الله عليه وسلم -: لا يا ابنة الصديق هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه».

قيل لبعض العلماء ما علامة التوبة؟ قال: الوجل من الذنب.