من اشتاق للجنة، اشتاق للقاء الله

     دخلت المسجد قبل صلاة المغرب بخمس دقائق، وجدت إمامنا يكتب حديثا على لوحة الإعلانات، وعادة ما يكتب حديثا جديدا كل يوم سبت، وقفت أقرأ ما يكتب:

     عن صهيب بن سنان قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ» (مسلم).

– لنا جلسة بعد الصلاة لتدبر هذا الحديث الجميل.

– إن شاء الله.

– بعد السنة، ذهبنا إلى مجلسنا المعتاد، شاركنا المؤذن (أبا يعقوب) بدأت الحديث.

– بعض المصطلحات أتحرج من استخدامها، مثل الشوق إلى الله، والعشق الإلهي، والوله؛ لأنها لم ترد في القرآن أو السنة -بحسب علمي- ويستخدمها أقوام خالفوا السنة ونهج السلف، وابتدعوا أمورا لم يأت بها دين الله -عز وجل-، وتدخل (أبو يعقوب):

– ولكن هؤلاء أردوا الخير وظنوا أنهم يتقربون إلى الله بهذه الطريقة.

أعطينا المجال لإمامنا:

– (حسن النية) لا يكفي للتقرب إلى الله، لابد من اتباع ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإلا وقع المرء في البدعة ولم يزدد إلا بعدا من الله، ويزين له الشيطان هذا، فلا يرجع إلى الحق؛ ولذلك قالوا: «البدعة أشد من الكبيرة»، وكما قال أبو عبدالرحمن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: «وكم مريد للخير لن يصيبه».

– أما (حب الله)، فهذا مطلب كل مؤمن كما قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (البقرة:165). {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة:54). {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31)؛ فالمؤمن يحب الله كما يليق بجلاله وعظمته، ويأمل أن يحبه الله، بطاعة أوامره واتباع هدي نبيه، والدعاء، أما (عشق الله)، فلم ترد هذه العبارة في القرآن ولا في السنة ولا عن الصحابة، وأما الشوق للقاء الله، فهو نتيجة حب الله،  والشوق إلى الجنة يورث الشوق للقاء الله؛ لأنه أطيب ما في الجنة.

– أحسنت يا شيخ حسن، زدنا من هذا البيان، أحضر لنا أحدهم الشاي كالمعتاد، بينما بحث الشيخ في الحاسوب وأخذ يقرأ:

والشوق إلى الله درجتان: أحدهما: شوق زرعه الحب الذي ينبت على حافات المنن، سببه مطالعة  منة الله وإحسانه ونعمه.

     الثاني: شوق زرعه الحب الذي نشأ واستقر من معرفة أسماء الله وصفاته المختصة بالمن والإحسان، كالبر والودود، والمحسن والرؤوف والغفور والرحيم، والوهاب والكريم، ونحو ذلك، وهذه أكمل وأقوى.

     ويوصف الله -عز وجل- بالمحبة ولا يوصف بالشوق؛ لأنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة، وكل من عرف ربه أحبه، ومن أحبه اشتاق إليه وإلى لقائه.

     وكان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وأسألُكَ الرِّضاءَ بالقضاءِ وبردَ العيشِ بعدَ الموتِ ولذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهِكَ والشَّوقَ إلى لقائِكَ..»، (صحيح النسائي).

     وعن عبادة بن الصامت، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ. قالَتْ عائِشَةُ أوْ بَعْضُ أزْواجِهِ: إنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قالَ: ليسَ ذاكِ، ولَكِنَّ المُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ برِضْوانِ اللَّهِ وكَرامَتِهِ، فليسَ شَيءٌ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا أمامَهُ؛ فأحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ، وأَحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، وإنَّ الكافِرَ إذا حُضِرَ بُشِّرَ بعَذابِ اللَّهِ وعُقُوبَتِهِ، فليسَ شَيءٌ أكْرَهَ إلَيْهِ ممَّا أمامَهُ؛ كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ، وكَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ» متفق عليه. وفي الحديث القدسي: «إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة» (رواه البخاري). فالبداءة من العبد ثم الإجابة حتما من الرب: {ادعوني أستجب لكم} {فاذكروني أذكركم}.

أما عوامل بعث الشوق إلى الله

1- مطالعة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، وتدبر معاني هذه الأسماء الحسنى والصفات؛ فإنها السبيل للوصول إلى محبة الله -عز وجل- وتأمل قصة أبي الدحداح في فهمه  كلام ربه كيف حرك أريحيته وألبسه حب البذل.

     فعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: لما نزلت هذه الآية: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، قال أبو الدحداح الأنصاري: وإن  الله يريد منا القرض؟ قال: نعم  يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، قال فناوله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده، قال فإني أقرضت ربي حائطي، قال: حائطه له ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها، قال فجاء أبو الدحداح فنادى يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي من الحائط فإني أقرضته ربي -عز وجل-، وفي رواية أخرى أنها لما سمعته يقول ذلك، عمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «كم من  عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح» (الصحيحة).

2- مطالعة منن الله العظيمة وآلائه الجسيمة؛ فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها؛ ولذلك كثر في القرآن سوق آيات النعم الخلق والفضل تنبيها لهذا المعنى، وكلما ازددت علما بنعم الله عليك، ازددت شوقا لشكره على نعمائه.

3- التحسر على فوت الأزمنة في غير طاعة الله، بل قضاؤها في عبادة الهوى، قال ابن القيم: وهذا اللحظ يؤدي به إلى مطالعة الجناية، والوقوف على الخطر فيها، والتشمير لتداركها والتخلص من رقها وطلب النجاة بتمحيصها.

4- تذكر سبق السابقين مع تخلفك مع القاعدين يورثك هذا تحرقا للمسابقة والمسارعة والمنافسة، وكل ذلك أمر الله به، قال -تعالى-: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}، وقال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}.