{ألا بذكر الله تطمئن القلوب}

– وما الفرق بين السكينة والطمأنينة؟

– الطمأنينة، حال دائمة تستقر في القلب، يعمل العبد على اكتسابها، بالأسباب التي بيّنها الله -عز وجل.

والسكينة، ينزلها الله -عز وجل- على من يستحق من عباده حال الاضطراب والخوف والحيرة، فيهدأ ويفعل الصواب وينطق بالحق.

وقالوا: الطمأنينة أعم فإنها تكون في العلم والخبر به واليقين والسكينة، وثبات القلب عند هجوم المخاوف.

كنت وصاحبي في حوار علمي، مع مجموعة من مرتادي المسجد، بين العشائين، كعادتنا كل أربعاء.

– ولو تدبرنا آيات الطمأنينة وآيات السكينة، ندرك الفرق بينهما.

يقول -تعالى-:

     {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (الفجر:7). {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة:260). {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد:28). {قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} (المائدة:113).

أما آيات السكينة فمنها:

{ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (التوبة:26).

     {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ  عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:40).

{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (الفتح:4). {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح:18).

     وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة. وأصل السكينة هي السكون الذي ينزله الله في قلب عبده، عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوة اليقين والثبات.

ولهذا أخبر -سبحانه- عن إنزالها على رسوله – صلى الله عليه وسلم – وعلى المومنين في مواضع القلق والاضطراب.

     عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» صحيح الترمذي. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن  رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -تعالى-، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم  الله فيمن عنده» مسلم. والطمأنينة موجب السكينة، وأثر من آثارها، وكأنها نهاية السكينة. وفي تفسير قوله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

     قال الجمهور: لم يكن إبراهيم -عليه السلام- شاكا في إحياء الله الموتى قط، وإنما طلب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به. عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي…» متفق عليه.

     الحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم، بمعنى أن إبراهيم لم يشك في مسألة إحياء الموتى؛ ولذلك فنحن أولى بالشك منه؛ فإذا كنا لا نشك في هذا الأمر، فإبراهيم من باب أولى. وإذا تأملت سؤاله -عليه السلام- وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول.

– هل نستطيع أن نقول: إن المرء ينبغي أن يسعى ليصل قلبه إلى الطمأنينة؟ وأنها من طاعات القلوب، وأن السكينة في الغالب، ينزلها الله، في قلب المؤمن إذا اتخذ الأسباب؟

– نعم، والطمأنينة تزيد وتنقص كأعمال القلوب كلها، ولكن لا ينبغي أن تفارق القلب  في أدنى مستوياتها، وهي الاطمئنان إلى جنب الله، وكلام الله، ووعد الله ومعية الله ونصر الله والرضاء بقضاء الله.

والنفس المطمئنة، هي التي اطمأنت عند موتها، بعد الله لأهل الإيمان بالكرامة في الآخرة وصدقت به.