لثقة بالله خلاصة التوكل ولبّه

     عندما ترك أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- زوجته وابنه في صحراء قاحلة، لا أثر فيها للحياة، بأمر الله -عز وجل- تبعته هاجر، تستفسر عن السبب، ولا يجيبها، فما كان منها إلا أن سألت، آالله أمرك  بهذا؟ فقال: نعم، ولم يلتفت ومضى، فقالت: إذن لا يضيعنا! كنت أبين للجميع في لقاء الجمعة، معنى (الثقة بالله)، كان في المجلس جميع الأبناء وأزواج البنات، وبعض أبنائهم. سألت ابنتي براء:

– ولكن هذه ثقة لا تكون إلا عند الأنبياء، لا أظن أن أحدا منا (عامة الناس) يمكن  أن يبغلها.

– نعم، هي قمة الثقة بالله، ولا شك أن الأنبياء على ثقة كاملة بالله، ولكن علينا أن نسعى ونربي قلوبنا على الثقة بالله، بمعنى أن نكون على ثقة، بأن من حفظ الله، يحفظه الله، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «احفظ الله يحفظك»، هذه عقيدة إذا ترسخت في القلب، فإن العبد يراها في حياته دون شك، وينبغي أن نربي قلوبنا بأن مقادير الله -عز وجل- لا تأتي إلا بالخير للعبد، وإن كره العبد بعض ما يصيبه.

– يبدو لي أن الأمر يحتاج إيمانا راسخا، قويا، علقت على مداخلتها.

–  نعم، على العبد أن يرتقي بإيمانه، فيثق بكل ما شرعه الله، ويثق بأن الله يستجيب دعاءه إذا كان مظلوما، ويثق بأن رزقه يأتيه كاملا من الله، وأن الله أرحم بعباده منهم بأنفسهم، وأنه -سبحانه- يحب عباده، ويلطف بهم، ويتولاهم، هذه قضايا أساسية ينبغي على كل منا أن يربي نفسه عليها، وكلها تبدأ بالعلم الصحيح، والعقيدة السليمة في القلب.

علّق معاذ، وهو كثير سماع لآراء العلماء والمشايخ، وقليل الاطلاع.

– سمعت درسا في اليوتيوب يشرح (الثقة بالله)، انطلاقا من قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفال:64)، أي حسبك، وحسب المؤمنين، الله -تبارك وتعالى-، بمعنى كافيكم جميعا، يقول الشيخ:  قال بعض الحكماء: صفة أولياء الله -تعالى- ثلاث خصال: الثقة بالله في كل شيء، والفقر إلى الله في كل شيء، والرجوع إلى الله في كل شيء، الواثق بالله يؤمن: أن الله -تعالى- إذا حكم بحكم وقضى أمرا، فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. وحسبك من آثار تربية النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه على قوة الثقة بالله. فهذا أبو بكر – رضي الله عنه – جاء بماله كله حتى دفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال له: «ما خلفت وراءك لأهلك يا أبا بكر»، فقال: عدة الله وعدة رسوله؛ فبكى عمر – رضي الله عنه – وقال: بأبي أنت وأمي يا أبا بكر! والله ما استبقنا إلى باب خير إلا كنت سابقا.

     قال ابن القيم: الفرق هو الثقة بالله والعجز؛ ذلك أن الواثق بالله قد فعل ما أمره الله به، ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها كغارس الشجرة وباذر الأرض، والمغتر العاجز قد فرط فيما أمر به، وزعم أنه واثق بالله، والثقة إنما تصح بعد بذل المجهود. وقال -رحمه الله-: إن الثقة سكون يستند إلى أدلة وأمارات يسكن القلب إليها؛ فكلما قويت تلك الأمارات، قويت الثقة واستحكمت ولاسيما على كثرة التجارب وصدق الفراسة. وأما الغرّة فهي حال المغتر الذي غرته نفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربه، حتى أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والغرور ثقتك بمن لا يوثق به، وسكونك إلى من لا يسكن إليه، ورجاؤك النفع من المحل الذي لا يأتي بخير كحال المغتر بالسراب.

– كلام جميل يا (أبا سعد)، ودعني أضيف عليه أن الثقة بالله تشمل:

– أولا: الثقة بكلام الله -عز وجل-، والقرآن كله كلام الله -عز وجل-؛ فمن كان يثق بالله، يثق بكل وعد ورد في القرآن، وبكل آية في كتاب الله، دون أدنى شك، وإن لم يرها تتحقق في حياته.

– ثانيا: الثقة بكلام النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه وحي من الله، فيثق العبد، بما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولاسيما ثواب الأعمال الصالحة، وعقاب الذنوب والمعاصي، وهذه الثقة تُقوِّم أعمال القلب والجوارح.

سألني أبو يوسف.

– وما الفرق بين الثقة بالله، وحسن الظن بالله؟

– حسن الظن بالله يحتاجه العبد، في سكرات الموت، يذكر رحمة الله، وعفوه، ومغفرته، وجنته، أما الثقة بالله فهي عمل قلبي يدفع، القلب إلى أن يحسن التوكل على الله واليقين بما عند الله، والاطمئنان إلى وعد الله، وإليك بعض الأمثلة: عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – حدثه، قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» رواه البخاري.

     وهذه أم موسى -عليه السلام- وثقت بكلام الله أنه سيرد إليها ابنها، قال ابن القيم -رحمه الله-: «فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله -تعالى-؛ إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء، تتلاعب به أمواجه، وجريانه إلى حيث ينتهي أو يقف» (مدارج السالكين 2/142).

     وهذا موسى -عليه السلام- يواجه البحر، وفرعون وجنوده يطاردونه وكادوا يصلون إليه والفئة التي معه. {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} (الشعراء).

     نعم، هذه ثقة الأنبياء والرسل، ولنا فيهم قدوة، فلنثق بالله، في رزقنا، وتفريج همومنا، ونصرة ديننا، وتثبيت أمننا، كل ذلك وغيره، ولكن مع الأخذ بالأسباب.