«لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» صحيح مسلم.

     كنت وصاحبي في طريقنا إلى المقبرة، لنصلي العصر في المسجد الجديد المجاور للمقبرة، ثم نصلي على موتى المسلمين الذين سيدفنون في هذا اليوم.

وهذه عادة تعاهدنا أن نفعلها مرة كل شهر منذ سنوات ربما تجاوزت السبع!

– حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -:  «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله»، ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه -، هل هذا في سكرات الموت أم على العموم؟

– إن حسن الظن بالله، عبادة قلبية عظيمة ينبغي أن  تكون ملازمة للمؤمن دوما، وذلك أن حسن الظن بالله هو الإيمان بما يليق بالله -عز وجل- واعتقاد ما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العلا، وصيغة الحديث تشبه قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران:102).

      والحديث قاله النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل وفاته بثلاثة أيام، أما حال حياته، فيحسن العبد الظن بالله، بأنه سيغفر له إذا استغفر وتاب، وسيفرج همه إذا اتقاه، وسيستجيب لدعوته إذا دعاه، وسينصره إذا استغاث به، وسيوفقه إذا استخاره، وسيكفيه إذا توكل عليه، وسيحفظه إذا حفظ أمره، وسيعينه إذا استعان به، وهكذا. وفي لحظات الموت، يحسن الظن بالله، بأنه قبل أعماله الصالحة سوف يلقى الثواب الحسن على طاعته وسيتجاوز عن سيئاته.

      وكان السلف يدعون الله أن يرزقهم حسن الظن به، كما ورد عن سعيد بن جبير أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحُسن الظن بك». وكان عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – يقول: «والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله -عز وجل-، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله -عز وجل-  الظن إلا أعطاه -عز وجل- ظنه».

     رفع المؤذن أذان العصر، وكان أمامنا -بحسب الخريطة- 17 دقيقة للوصول إلى مسجد المقبرة، ونعلم أن صلاة العصر لا تقام إلا بعد نصف ساعة، تابعنا حوارنا:

– إن حسن الظن بالله، يدفع العبد للعمل الصالح، هذا هو الفهم الصحيح لحسن الظن بالله، لا ذلك الفهم الذي يزعم صاحبه أن الله سيغفر له، وهو مقيم على المعاصي! من أحسن الظن بالله، أحسن العمل، وذلك أن العبد يعلم أن الله يحب العمل الصالح ويثيب عليه، فيجتهد في الطاعات ويعلم أنها تسجل له، وأن الله  لا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يقبل العمل ويضاعف الأجر عليه، وذم الله -عز وجل- المشركين ووصفهم بأنهم يظنون بالله ظن السوء، قال -تعالى-: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (الفتح:6).

     ووصف لنا المنافقين فقال -عز وجل-: {طَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} (آل عمران:154).

«وظنهم السوء بالله، أن الله -عز وجل- لا ينصر رسوله، وعموم لفظ الآية، يشمل ظنونهم الفاسدة من الشرك وغيره» (روح المعاني).

– دعنا نبحث عن أقوال ابن القيم عن حسن الظن بالله.

– لك ذلك، لحظات وانتهى بحثنا في كتب ابن القيم، اسمع من أقوال الشيخ -رحمه الله-:

     دخل وائلة بن الأسقع على مريض فقال: أخبرني كيف ظنك بالله، قال: أغرقتني ذنوب لي، وأشرفت على هلكة، ولكني أرجو رحمة ربي، فكبر وائلة وكبر أهل البيت بتكبيره وقال: الله أكبر سَمِعْتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «يقول الله -تعالى-: أنا عند ظن عبدي بي» (متفق عليه).

     ودخل النبي – صلى الله عليه وسلم – على شاب وهو يموت فقال: «كيف تجدك قال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال – صلى الله عليه وسلم -: ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه من الذي يخاف» صحيح الترمذي (الألباني).

وَقَالَ عبدالله بن عَبَّاس -رضي الله عنهما-: إذا رأيتم الرجل قد نزل به الموت فبشروه حتى يلقى ربه وهو يحسن الظن بالله -تعالى.

     قال سفيان الثوري – رضي الله عنه -: من أذنب ذنبا، فعلم أن الله -تعالى- قدره عليه ورجا غفرانه غفر الله -عز وجل- له ذنبه قال: لأن الله -تعالى- غيّر قوما فقال -تعالى-: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} (فصلت: 23)، وقد قال -سبحانه وتعالى- في مثله: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} (الفتح: 12) أي هلكى، ففي دليل خطابه -عز وجل- أن من ظنّ حسنا كان من أهل النجاة على قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه؛ ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله. والتحقيق: أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به، ولا التوكل على من لا ترجوه.   والعارف بربه حسن الظن به، لا يتهمه فيما يجريه عليه من أقضيته وأقداره؛ فحسن ظنه به يوجب له استواء الحالات عنده، ورضاه بما يختاره له ربه -سبحانه. والراجي ليس معارضا ولا معترضا، بل راغبا راهبا مؤملا لفضل ربه.

     حسن الظن به متعلق الأمل ببره وجوده، عابدا له بأسمائه: المحسن، البر، الحليم، الغفور،  الوهاب، الرزاق، والله -سبحانه وتعالى- يحب من عبده أن يرجوه؛ ولذلك كان عند رجاء العبد له وظنه به.

     ولما احتضر سليمان التيمي قال لابنه: يا بني، حدثني بالرخص، واذكر لي الرجاء حتى ألقى الله -تعالى- على حسن الظنّ به. وكذلك لما حضر سفيان الثوري – رضي الله عنه – عنه الوفاة جعل العلماء حوله يرجونه، وحدثنا عن أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – أنه قال لابنه عند الموت: اذكر لي الأخبار التي فيها الرجاء وحسن الظنّ.

     وروى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: «عمود الدين وغاية مجده وذروة سنامه: حسن الظن بالله؛ فمن مات منكم وهو يحسن الظن بالله، دخل الجنة مدلا(أي: منبسطاً لا خوف عليه)».