الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر (الإمام أحمد).

عرض  علي صاحبي مقطعاً مصوراً لأحد المعجبين في رده على عدم جواز الاستعانة بغير الله، يقول:

      يقول الله -تعالى-: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ  وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (45) فكيف لا تجوز الاستعانة بغير الله ولا سيما إذا كان الله قد أمرنا بالاستعانة بهم كأئمتنا لمكانتهم عند الله؟ هذا جهله مركب، جاهل باللغة، وجاهل بالعقيدة، وأمثاله لا يستهدفون، وإنما نتوجه للعامة الذين يُلبِّس عليهم أمثال هذا.

– الصبر، واجب على المسلم بإجماع الأمة، وهو حبس النفس عن الجزع والتسخط، ولا شك أنه درجات، أوله واجب وآخره صبر الأنبياء، وذكر الإمام أحمد أنه ورد في كتاب الله في نحو تسعين موضعاً على ستة عشر نوعاً.

استغرب صاحبي مقولتي!

– كنت أظن أن الصبر ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء.

– نعم هو كذلك، ولكن الإمام يذكر تفصيل هذه الثلاث يقول:

– الأول: الأمر به نحو قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153)وقوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} آل عمران: 20 وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} النحل: 127.

– الثاني: النهي عن ضده كقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} (الأحقاف: 53). وقوله: {وَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ} الأنفال: 15. فإن تولية الأدبار: ترك للصبر والمصابرة وقوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} محمد: 33 فإن إبطالها ترك الصبر على إتمامها وقوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} (آل عمران: 139) فإن الوهن من عدم الصبر.

– الثالث: الثناء على أهله كقوله -تعالى-: {الصابرين والصادقين} الآية آل عمران: 17 وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177) وهو كثير في القرآن.

– الرابع: إيجابه -سبحانه- محبته لهم كقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران: 146). الخامس: إيجاب معيته لهم وهي معية العلم والإحاطة كقوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46) وقوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَابِرِين} (البقرة: 249). (الأنفال: 69).

– السادس: إخباره بأن الصبر خير لأصحابه كقوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} (النحل: 126) وقوله: {وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} (النساء: 25).

– السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم كقوله -تعالى-: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل: 96.

– الثامن: إيجابه -سبحانه- الجزاء لهم بغير حساب، كقوله -تعالى-:

 {بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (آل عمران: 125)، ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن النصر مع الصبر».

– الحادي عشر: الإخبار منه -تعالى- بأن أهل الصبر هم أهل العزائم كقوله -تعالى-: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الشور: 43 .

– الثاني عشر:  الإخبار أنه ما يلقى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر كقوله -تعالى-: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرين} القصص: 80 ، وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } (35).

– الثالث عشر: الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات والعبر أهل الصبر كقوله -تعالى- لموسى: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} إبراهيم: 5 في أهل سبأ: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سبأ 19. وقوله في سورة الشورى: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} .

– الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب والنجاة من المكروه المرهوب ودخول الجنة إنما نالوه بالصبر كقوله -تعالى-: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.

– الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، ثم تلا قوله -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24).

– السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان كما قرنه الله -سبحانه وتعالى- باليقين وبالإيمان وبالتقوى والتوكل وبالشكر والعمل الصالح والرحمة؛ ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له، وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: خير عيش أدركناه بالصبر. وأخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: (أنه ضياء) (صحيح مسلم) وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من يتصبر يصبره الله» متفق عليه.

      وفي الحديث الصحيح: «عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» صحيح مسلم. وقال للمرأة السوداء التي كانت تصرع فسألته: أن يدعو لها: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: إني أتكشف فادع الله: ألا أتكشف فدعا لها. متفق عليه. وأمر عند ملاقاة العدو بالصبر عند المصيبة وأخبر: «أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى» متفق عليه.

– تفصيل جميل، وسمعت أن الصبر ينبغي أن يكون جميلاً

      نعم هو قوله -تعالى-: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلً} (المعارج: 5) وهو الصبر الذي لا شكوى فيه ولا معه، ودعني أختم بمعنى قوله -[-: «ومن يتصبر يصبره الله» الحديث.. ذلك أن الصبر يكتسب فيبدأ من القلب،  ويذكر المرء نفسه بأنه يتعامل مع الله، فيتقبل أوامره وينتهي عن نواهيه ويرضى بقضائه، ويدرب قلبه، ويعالج ضعفه، ويستعين بالله على ذلك حتى يتقوى صبره، ويترقى في درجات الصبر، حتى يكتبه الله من الصابرين.