الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر، والصبر داخل في الشكر.

     كنا في محاضرة بعد صلاة العشاء ألقاها شيخ فاضل من الجامعة الإسلامية في المدينة، بدعوة من وزارة الأوقاف في الكويت، بدأ الشيخ محاضرته بهذه الآية، يقول الله -تعالى- مخبرا ومحذرا ومنبها عباده، لأخبث أساليب الشيطان: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف:16-17).

     فإن تذييل الآية بقوله: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} هي الغاية من الإضلال والتزيين، وذلك أن نفي الشكر، كناية عن الكفر؛ إذ لا واسطة بينهما كما قال -تعالى-: {واشكروا لي ولا تكفرون} (البقرة:152)، وكذلك في سورة الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (3)؛ فالشكر عبادة المتقين والأولياء الصالحين، وهذا أمر الله لرسوله – صلى الله عليه وسلم – وأمته من بعده: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر:66).

    في طريق عودتنا تدارسنا ما ذكره الشيخ في محاضرته التي استمرت لأكثر من أربعين دقيقة، ولو أراد لاستمر لأكثر من ساعة، ولكن توقف خشية ملل الحضور.

– والله ما شعرنا بمرور الوقت؛ فقد كانت المحاضرة شيقة، وفيها الكثير من المعلومات الجديدة بالنسبة لي.

– كم مرة ورد ذكر الشكر في القرآن بصيغه المختلفة.

– ذكر الشيخ أنها وردت خمسا وسبعين مرة، بمشتقاتها، والأهم من ذلك أنه ذكر أركان الشكر الخمسة.

خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وألا يستعملها فيما يكره.

     فإذا نقصت إحدى هذه الأركان، انتقض الشكر، ولم يكن العبد شاكرا، والشكر عبادة قلبية دائمة لله -عز وجل- بمعنى أن العبد ينبغي أن يكون دائما شاكرا لله -عز وجل-، ولذلك يُذكِّر الله عباده نعمه التي قد يغفل عنها الإنسان لوجودها دون عناء منه، فيقول -عز وجل-: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل:78).

     في تفسير السعدي: «.. خص هذه الأعضاء الثلاثة (السمع والأبصار والأفئدة) لشرفها وفضلها ولأنها متفاح كل علم، وذلك لأجل أن يشكروا الله باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بالكفر لا بالشكر».

     ويقول -تعالى- مذكرا خلقه جميعا: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل:53). كل نعمة ظاهرة وباطنة، الله هو المنعم بها، لا أحد غيره. ويقول -تعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النحل:18). وذلك إن بدأ العبد يعد نعم الله عليه، فإنه لن ينتهي من العد؛ لأن الإحصاء نهاية العد، فنفاه الله -عز وجل.

     وفي آية آخرى: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم:34). فلا ينبغي لعبد أن يشعر مطلقا، أنه ليس في نعمة من الله -عز وجل- ويغفل عن شكر الله -سبحانه.

     أعجبني بيان الشيخ أن العبد ينبغي أن يكون شاكرا ويرتقي إلى أن يكون شكورا، كما في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قال: إن كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ليقوم ليصلي من الليل حتى ترم قدماه، فيقال له في ذلك؟ فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» (البخاري)؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم ـ أدى أعلى درجات الشكر، فكان عبدا شكورا، والمؤمن ينبغي أن يكون -على الأقل- عبدا شاكرا، كما في الحديث.

      عن صهيب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (صحيح مسلم).

     فالعبد ينبغي أن يذكر نفسه دائما نعم الله عليه، ويملأ الشكر قلبه، فمن أذكار الصلاة ما ورد في حديث معاذ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخذ بيده وقال: يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (صحيح أبي داود).

– لو تدبر المرء الآيات التي وردت في الشكر لوجد أنه عبادة الأنبياء والرسل والصالحين، والشكر يؤدي إلى دوام النعمة وحسن الجزاء يوم القيامة، كما قال -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).

ويقول -تعالى-: {وسنجزي الشاكرين} (آل عمران:145)، ويقول -تعالى-: {… وسيجزي الله الشاكرين} (آل عمران:144).

– وماذا عن سجود الشكر؟

– هذه عبادة عظيمة ينبغي على العبد أن يفعلها حال تجدد نعمة من الله عليه، ففي السجود كل أركان الشكر التي ذكرتها، خضوع لله، وحب واعتراف بالنعمة، وثناء على الله، واستخدام النعمة في طاعة الله، والصحيح أنها لا يشترط فيها الطهارة وستر العورة للمرأة كما في الصلاة ولا الاتجاه للقبلة وغيرها؛ فهي عبادة جسدية تعكس ما في القلب، من شكر لله، وإليك بعض آيات القرآن التي ذكرت في الشكر.

     {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (النمل:40).

     {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (لقمان:12). {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (لقمان:31). {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ:13).

     (والشاكر) و(الشكور) من أسماء الله الحسنى الثابتة في كتاب الله والمعنى أنه -سبحانه- يقبل القليل من العمل الصالح ويجازي عليه أضعافا مضاعفة لا حدود لها، يقول -تعالى لأهل الجنة: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا} (الإنسان:22).