الرضا عبادة قلبية عظيمة، ينالها من عرف الله حقا.

– مجرد النطق بكلمة (الرضا)، يترك أثرا جميلا في القلب، وكلما قلت «رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا» تجدد هذا الشعور الجميل، وامتلأت طاقات إيجابية، كما يقول أصحاب مبدأ الطاقة.

قالها صاحبي مبتسما، سألته.

– ذكرني بالحديث الذي وردت فيه هذه العبادة.

– تقصد حديث العباس بن عبدالمطلب  قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» مسلم، وفي الحديث الآخر عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قال: «من قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، وجبت له الجنة» (صححه الألباني).

– نعم، رددتها، «رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا».

– ولكن هل تعلم واجبات القول -رضيت بالله ربا.

– أمتعني بما لديك يا أبا خالد.

كنت وصاحبي في طريقنا لمعرض الكتاب المقام في نوفمر بأرض المعارض في الكويت.

– إن الرضا بالله ربا، آكد الفرائض، ومن لم يحققه لم يصح له إسلام ولا عمل، وهذه الثلاث هي أصول الدين، فالرضا بالله ربا، يتضمن توحيده وعبادته بإخلاص والخوف منه ومحبته والصبر على قضائه، والتسليم لأحكامه، والرضا بمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا يتضمن الإيمان برسالته، وتوقيره ونصرته واتباع هديه، والرضا بالإسلام دينا، يتضمن قبول كل شرائعه، والتسليم بكل جوانبه التعبدية، والسلوكية، والقضائية، هذا جانب، والجانب الآخر الرضا بقضاء الله -عز وجل.

– نعم هذا الذي أردت.

– تفعيل ذلك أن قضاء الله -عز وجل-، قضاء شرعي، وقضاء قدر كوني، أما قضاؤه الشرعي فهي ما شرع من الأوامر والنواهي، وهذه حكمها ورد في قوله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65).

     وفي قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب:36).

     وأما القضاء القدري فهو إما خير للعبد، وهذا يحبه العبد ويجب عليه شكر الله عليه، وإما مما لا يحبه العبد، وهذا الذي ورد في الحديث عن أنس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (حسنه الألباني). إن رضا الله عن العبد ينبغي أن يكون غاية كل مسلم، يسعى بما يستطيع أن ينال رضا الله، وهو -سبحانه- يعلم صدق عبده في السعي إلى هذه الغاية، فييسرها له، ويثيبه عليها، يقول -تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100). ويقول -تعالى-: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح:18).

     هؤلاء المخلصون، رضي الله عنهم في الدنيا، ووعدهم الجنة في الآخرة، واعلم أنه من رضي الله عنه، فقد فاز؛ لأن الله يعلم أن هذا العبد سيموت وهو -سبحانه- راض عنه.

– إنها نعمة عظيمة أن يعلم العبد أن الله راض عنه.

– هذه لا يمكن أن يزعمها أحد، ولكن يسعى العبد أن ينالها صادقا، ويدعو الله، ويحسن الظن بالله.

     من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت» (صحيح).

     وسئل أبو عثمان عن قول النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الرضا بعد القضاء، فقال: «لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا، والرضا بعد القضاء هو الرضا».

وصلنا إلي مواقف المركبات، ولم نجد مكانا فارغا إلا على بعد مسيرة عشر دقائق، ترجلنا، تابعنا حديثا:

– وماذا يقول ابن القيم، عن الرضا، فهو المرجع في أعمال القلوب.

– نعم، يقول -رحمه الله-: إن الرضا كسبي باعتبار سببه، موهبي باعتبار حقيقته، فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه، فإذا تمكن في أسبابه وغرس شجرته، اجتنى منها ثمرة الرضا؛ فإن الرضا آخر التوكل، فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض، حصل له الرضا ولا بد، ولكن لعزته وعدم إجابة أكثر النفوس له، وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خلقه، رحمة بهم، وتخفيفا عنهم، لكن ندبهم إليه، وأثنى على أهله، وأخبر أن ثوابه رضاه عنهم، الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها، فمن رضي عن ربه رضي الله عنه، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده: رضا قبله، أوجب له أن يرضى عنه، ورضا بعده، هو ثمرة رضاه عنه، ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين. ومن أعظم أسباب حصول الرضا: أن يلزم ما جعل الله رضاه فيه، فإنه يوصله إلى مقام الرضا ولابد. (مدارج السالكين- ج2-ص172).

     عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، يقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» متفق عليه.

– اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار. حقا من يتدبر (آيات الرضا)، يجد أنها تلامس القلب والوجدان، وتدفع العبد أن يجتهد في نيل هذا المقام العظيم من مقامات التقرب إلى الله، يقول -تعالى-: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران:15).

     ويقول -سبحانه-: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (التوبة:21). وأيضا: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:72).

      وأخيرا هذه الآيات المبشرة عند الاحتضار: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر).