– من صفات الله -عز وجل- أنه يرضى عن فئات من الناس في الدنيا، وصفة الرضا في حق الله -عز وجل- ثابتة، كما تليق بجلاله وعظمته -عز وجل-، ومن رضي الله عنه، لا يغضب عليه أبدا!

– هل هذا هو معنى قوله -تعالى-: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}؟

– هذه جزء من آية تكررت في أربعة مواضع.

(المائدة:119)، و(التوبة:100)، و(المجادلة:22)، و(البينة:8).

      أما رضا الله فقد ورد في سورة (الفتح:18)، عن الذين بايعوا النبي – صلى الله عليه وسلم – تحت الشجرة؛ فقد نالوا رضا الله، وهذه شهادة من الله أنهم من أهل الجنة.

– أفهم الجزء الأول من الآية: {رضي الله عنهم}، ولكن ما معنى {ورضوا عنه}؟

كنت وصاحبي نتصفح كتاب مدارج السالكين لنعرف العناوين الرئيسية لأعمال القلوب.

– أولا: رضا العبد بالله، ورد في الحديث: عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، غفر له ذنبه» (مسلم). وإذا رضي العبد بالله ربا، رضي بعطائه ومنعه، رضي بتشريعه وحكمه، رضي بقدره وقضائه، رضي بما يأتيه من الله -عز وجل-، الرضا بالله، ثمرة معرفة الله بأسمائه وصفاته، رضي بالله؛ لأنه ربه، خلقه في أحسن تقويم، وكرمه على كثير من خلقه، رضي بالله؛ لأنه الرؤوف الرحيم الكريم، رضي بالله؛ لأنه العفو الغفور الودود، رضي بالله؛ لأنه الولي النصير مجيب الدعاء، لا يسخط أبدا، إذا منعه الله شيئا، بل حتى إذا ابتلاه فأخذ شيئا من عطاياه، فهو في رضا؛ لأنه على يقين بأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وقضاؤه بين العدل والفضل، هذا في الدنيا، أم في الآخرة، فلا شك أنه يرضى بكرم الله، وجزيل ثوابه، ومن رضي الله عنه، أكرمه الله بالرضا عنه، في الآخرة، ورضوان الله أعظم نعيم يناله أهل الجنة.

     {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران:115). ويقول -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:72).

رضوان الله أكبر من كل نعيم الجنة، وهو الفوز العظيم، تنهد صاحبي داعيا:

– اللهم إنا نسألك رضاك والجنة.

– آمين.

– وماذا عن قوله -تعالى-: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر).

– هذا يفسره الحديث، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا حضر المؤمن (جاءه الموت)، أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح وريحان ورب غير غضبان.. إلى آخر الحديث» صححه الألباني.

      وذكر الله -عز وجل- الصحابة في غير موضع مبينا رضاه عنهم، وسعيهم لنيل رضا الله، كما في قوله -عز وجل-: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ… الآية} (الفتح:29). ويقول -تعالى-: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحشر:8).

– وما الفرق بين الرضا والرضوان؟

– في اللغة، ما ينتهي بالألف والنون، يدل على الكثرة، مثلا، تقول نائم، نومان، ولذلك، (الرضوان)، لم يرد إلا منسوبا إلى الله -عز وجل-؛ لأن رضا الله عظيم فهو (رضوان)، أما الرضا فينسب إلى العبد أيضا وكل بحسب ما يليق به، كما قال -تعالى-: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (التوبة:21).

ويقول -تعالى-: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد:20).

وقالوا: إن رضا الله في الدنيا، ورضوانه في الآخرة، والعبد يسعى أن ينال رضوان الله، ولا أقل من أن يسعى أن ينال رضا الله.

– دعني أسألك، لأتأكد من مسألة، هل إذا رضي الله عن عبد لا يسخط عليه بعد ذلك؟

– إذا رضي الله عن العبد، فاز؛ لأن الله لا يرضى عن العبد إلا إذا كان أهلا لذلك أبدا، ولكن العبد لا يدري إذا كان الله قد رضي عنه، ولكنه يسعى ويدعو ويحسن الظن بالله.