سر التوكل هو اعتماد القلب على الله وحده.

وأعمدته: الإيمان بالقدر، وحسن الظن بالله، واتخاذ الأسباب.

      دخلت وصاحبي محلا صغيرا يبيع أدوات كهربائية ولوازمها، وضع صاحب المحل لوحة، كتب فيها: (توكلت على الله)، لا يمكن للمرء ألا يراها.

بعد السلام

– لوحة جميلة، ومعبرة، وأشرت إلى تلك اللوحة.

– نعم،ورثتها عن والدي -رحمه الله-، وكان يملك مخبزا صغيرا في قريتنا بالشام، وانتقلت هنا وعملت في هذا المجال، ثم توفي والدي منذ سبع سنوات؛ فبعنا المحل وأخذت هذه اللوحة، أشعر بالراحة والأمان كلما قرأتها، قضينا حاجتنا، وفي طريقنا إلى مركبتنا علق صاحبي:

– كلام صاحب المحل جميل عن لوحة (توكلت على الله).

– نعم، ولكن قليلا من الناس من يحقق التوكل الصحيح، ذلك أن التوكل عمل قلبي عظيم، لا يكفي أن يقول المرء توكلت على الله بلسانه، وقلبه لا يتوكل على الله.

– ماذا تعني؟

– إذا علمنا أن التوكل عمل قلبي، فينبغي أن نجعل القلب يتوكل على الله أولا، فلا يتعلق بشيء غير الله، ولا يرجو إلا الله، ويرضى بما قسم الله، و يسعى دوما إلى مبتغاه وكله ثقة بالله مهما كاد له الكائدون، ومكر له الماكرون.

من توكل على الله علم أن الله كافيه، إيجابا وسلبا، أي في جلب المنافع ودفع المكاره.

ومن توكل على الله جعل التوكل دائما في قلبه، بل يزداد توكله كلما ازداد إيمانه، فهو يزيد وينقص.

– وكيف قرن الله بين الإيمان والتوكل؟

– في آيات كثيرة، منها: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} (تبارك:29)، وقوله -عز وجل-: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (المائدة:23)، وقوله -سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران: 122- 160)، (المائدة:11)، (التوبة:51)، (إبراهيم:11)، (المجادلة:10)، (التغابن:13).

     وكذلك قرن الله -عز وجل- بين التكل والهداية، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} (إبراهيم:12)، وقال -سبحانه-: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} (النمل:79)، وجعل الله جزاء التوكل كفايته -سبحانه- لعبده: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق:2).

     وهذه الآية، شاملة كافية، من توكل على الله حق التوكل، كفاه الله، توفيقا وهداية ونصرا وحفظا ورزقا، ونجاة من النار، وفوزا بالجنة، مع الأخذ بالاعتبار أن (كمال الأجر، مع كمال العمل).

– قرأت كلاما لابن القيم، أظنه في مدارج السالكين: «التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة».

– نعم، ابن القيم، مرجع في أعمال القلوب، وإليك بعد أحاديث التوكل، الذي هو من واجبات أعمال القلوب:

عن عمر – رضي الله عنه – مرفوعا: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» (الصحيحة).

     عن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قال -يعني إذا خرج من بيته-: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت ووقيت وكفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟» (الجامع الصغير وزيادته).

     عن ابن عباس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» متفق عليه.

     عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: « ‏عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ بِالْمَوْسِمِ ‏ ‏فَرَاثَتْ ‏ ‏عَلَيَّ أُمَّتِي قَالَ فَرَأَيْتُهُمْ فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ وَهَيْئَاتُهُمْ قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏حَسَنٌ ‏‏فَقَالَ أَرَضِيتَ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّ لَكَ مَعَ هَؤُلَاءِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏عَفَّانُ ‏ ‏وَحَسَنٌ ‏ ‏فَقَالَ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ ‏ ‏سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا ‏ ‏يَسْتَرْقُونَ ‏‏وَلَا ‏ ‏يَتَطَيَّرُونَ ‏ ‏وَلَا ‏ ‏يَكْتَوُونَ ‏ ‏وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ ‏ ‏عُكَّاشَةُ ‏ ‏فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهُ ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا ‏ ‏عُكَّاشَةُ ‏ » صحيح على شرط مسلم.