من تمام محبة الله، محبة النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنه أحب الخلق إلى الله.

– ما تقول في تلك القصائد التي تمدح النبي – صلى الله عليه وسلم – ولاسيما في المجالس التي تعقد للاحتفال بميلاده؟

     صاحبي من بلاد المغرب العربي، حريص على الصلاة، محب لكل ما هو من الدين، ينقصه الكثير من العلم الشرعي، مجتهد في عمله.

– لا شك أن حب النبي – صلى الله عليه وسلم – واجب على كل مسلم، سواء بأمر الله، أم بما لهذا النبي – صلى الله عليه وسلم – من صفات وأخلاق، أم لما أداه، وسوف يؤديه لهذه الأمة يوم القيامة، كلها توجب حب النبي – صلى الله عليه وسلم -، حبا صادقا خالصا، وهذا لا يقتصر على الصاحبة الذين عاشوا معه – صلى الله عليه وسلم – بل على جميع الأمة إلي يوم القيامة؛ لأن مقتضبات محبته قائمة دوما. ففي الحديث، يقول – صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» (البخاري).

– وكيف ينال العبد هذا الشعور بصدق؟ لأني صراحة أحب النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكن لا أشعر أنه أحب إلي من كل شيء! هذا شعور نظري وليس واقعيا.

عجبت من صدق صاحبي وصراحته.

– محبة النبي – صلى الله عليه وسلم – يجب أن ينميها العبد في قلبه، وذلك بخطوات، أولا: أن يعلم يقينا أن هذه المحبة واجبة، فيسعى إلى تحصيلها، وذلك بأمور عدة، أولا: يتعرف على حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وسيرته، ولاسيما بعد أن بعث رسولا لهذه الأمة، ويحرص على هذا العلم كلما سنحت له فرصة، فيقرأ ويستمع ويتابع سيرته – صلى الله عليه وسلم .

– ثانيا: يعرف مكانة النبي – صلى الله عليه وسلم – عند الله -عز وجل- وكيف أن الله اصطفاه، ورباه، وشرفه، وأكرمه، وفضله على باقي الأنبياء والرسل، ورفع ذكره، وجعل له مكانة في الآخرة وهي (الوسيلة) وليست لأحد غيره، كما في الحديث، عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صل الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل لي الوسيلة، حلّت عليه الشفاعة» مسلم.

– ثالثا: يتعلم مدى حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على هذه الأمة وحبه لها، كما قال الله -تعالى-: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:128). وقال -تعالى-: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف:6). وقال – صلى الله عليه وسلم – في وصف حاله مع هذه الأمة، عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه -: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا؛ فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النارس، وأنتم تفلتون من يدي» مسلم.

     وهو – صلى الله عليه وسلم – أشد حرصا على هذه الأمة يوم القيامة، حتى أصحاب الكبائر ومن دخل النار من هذه الأمة يشفع له النبي – صلى الله عليه وسلم -، كما في الحديث:

     أَخِرُّ له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأَخْرِجْ منها من كان في قلبه مثقال ذرة – أو خردلة – من إيمان فأخرجه، فأنطلق، فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقول: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله». (متفق عليه).

كان صاحبي منصتا طوال الحديث، قاطعني:

– وهل تعتقد أنه يمكن أن نرى النبي – صلى الله عليه وسلم – في الآخرة، وأن نتحدث إليه ونجالسه؟

– هل اشتقت لرؤية رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟

– صدقا، نعم، وتخطر لي هذه الخاطرة أحيانا، فأبتسم خفية.

– ولم لا؟ إليك بعض البشارات، التي نرجو أن تنال شيئا منها:

     عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج إلى المقبرة، فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا! قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد؛ فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض (صحيح).

     عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «من أشد أمتي لي حبا، ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رأني بأهله وماله» مسلم.

     عن أنس – رضي الله عنه -: «أن رجلا سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها»؟ قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أنت مع من أحببت»، قال أنس: فما فرحنا بشيء، فرحنا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أنت مع من أحببت»! قال أنس: «فأنا أحب النبي -[- وأبو بكر، وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم».

– وهل تريد أن أقدم لك نصيحة محب؟

– دائما.

– أكثر من الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، حتى لو جعلتها أكثر ذكرك، واحرص على اتباع سنته، وادع الله صادقا أن يرزقك حب النبي – صلى الله عليه وسلم -، أما الأدلة على ذلك، باختصار:

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31).

     عن أبي بن كعب قال: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت» قلت: الربع؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك»، قلت: النصف؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك» قلت: فالثلثين؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك» قالت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذا يكفي همك ويكفر لك ذنب»، رواه الترمذي (حسنه الألباني). عن محمد بن علي قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة (صحيح) (نسي: ترك).

     عن ابن مسعود قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة». حسن لغيره (الألباني).  وليس من وسائل محبة النبي – صلى الله عليه وسلم – الاحتفال بمولده أو السفر لزيارة قبره والدعاء عنده، أو اطراؤه ومدحه بما لم يأمر به – صلى الله عليه وسلم -، وإنما الحب، باتباع سنته وتعظيم حديثه وتوقير هديه ونشر دعوته الصحيحة والتخلق بأخلاقه، والحمدلله رب العالمين.