«أصل طاعات القلوب كلها الصدق مع الله، وأصل معاصي القلوب كلها الكذب».

– الصدق خلق حميد للمسلم وهو ضد الكذب، ومفهوم عامة الناس أن الصدق يكون في الحديث وكذلك الكذب.

– الصدق مع الله، هو أجل أنواع الصدق وأشرفه، وذلك أن الصدق يكون في الحديث وفي الأفعال، وأهم من هذا وذاك، الصدق الذي يكون في القلب مع الله -عز وجل-، وكل أمر بالصدق في كتاب الله وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – يتناول هذه الأنواع جميعا، وأولها صدق القلب مع الله، مثل قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة:119)، والصدق يكون في ثلاثة أمور: العقيدة، والعبادات، والمعاملات.

     كنت وصاحبي نتحاور في أول يوم عمل بعد إجازة الصيف الطويلة، أنهينا كل التزاماتنا الإدارية، كنا بانتظار صلاة الظهر، التي -عادة- نؤديها مع بقية الزملاء والطلبة في المصلى المتوسط بين جميع الأقسام العلمية.

– وقد جمع الله -تعالى- صفات الصادقين في آية واحدة في سورة البقرة، وذلك في قوله -تعالى-: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة:177).

     في تفسير السعدي «أي: المتصفون بما ذكر الله من الصفات الحسنة والأعمال الصاحلة والأخلاق الطيبة، هم (الذين صدقوا)؛ لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم». قال ابن القيم -رحمه الله- «ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره» (الفوائد). وفي الحديث عن سهل بن حنيف – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه» (مسلم). قال المناوي في شرح مسلم: «قيد السؤال بالصدق؛ لأنه معيار الأعمال ومفتاح بركاتها وبه ترجى ثمراتها، و(بلّغه الله منازل الشهداء)، مجازاة له على صدق الطلب» (فيض القدير).

     وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «فإذا سأل الإنسان ربه وقال: اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك فإن الله -تعالى- إذا علم منه صدق القول والنية أنزله منازل الشهداء وإن مات على فراشه» شرح رياض الصالحين.

قطع حديثنا طالبان، كانت لديهما مشكلة في تسجيل المقرر الذي يدرسه صاحبي، عمل اللازم لحل الإشكال، تابعنا حديثنا.

– يحضرني حديث سمعته في خطبة الجمعة: عن شداد بن الهاد – رضي الله عنه -، أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فآمن به واتبعه، ثم قال: «أهاجر معك، فأوصى به النبي – صلى الله عليه وسلم – بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي – صلى الله عليه وسلم – سبيا فقسّم، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي – صلى الله عليه وسلم -. فأخذه فجاء به إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أُرمى ها هنا، -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال – صلى الله عليه وسلم -: «إن تصدق الله يصدقك».

     فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي – صلى الله عليه وسلم – يُحملُ قد أصاب السهم حيث أشار، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه»، ثم كفنه النبي – صلى الله عليه وسلم – في جبة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: «اللهم هذا عبدك، خرج مهاجرا، فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك» (صحيح).

– نعم، هذا حديث عظيم في الصدق مع الله.

– وكذلك حديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في صحيح البخاري: «اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك – صلى الله عليه وسلم -»، فمات شهيدا في المدينة. ولكن ماذا عن درجة الصديقية، أي أن يكون العبد صديقا، لا صادقا فحسب؟

– سؤال جميل، إليك الإجابة عنه من الكتب الميسرة في جهاز الحاسوب أمامي.

بحثت سريعا واستخرجت لصاحبي ما يلي:

     أخبر -سبحانه- أنه فى يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه قال -تعالى-: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (المائدة:119)، وقال -تعالى-: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (الزمر: 33) فالذي جاء بالصدق: هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله فالصدق: في هذه الثلاثة.

     فالصدق فى الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد والصدق في الأحوال : استواء أعمال القلب والجوارح وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته؛ ولذلك كان لأبي بكر الصديق – رضي الله عنه -: ذروة سنام الصديقية، سمى الصديق على الإطلاق، والصديق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق.

     وقد أمر الله -تعالى- رسوله : أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال : {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} (الإسراء: 80)، وأخبر عن خليله إبراهيم -عليه السلام- أنه سأله أنه يهب له لسان صدق فى الآخرين فقال: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (الشعراء: 84)، وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق فقال -تعالى-: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} (يونس: 2) وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} ( القمر: 54-55)؛ فهذه خمسة أشياء: مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق، وحقيقة الصدق في هذه الأشياء هو الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله.

     وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا».

     الصدق مفتاح الصديقية ومبدؤها، وهى غايته فلا ينال درجتها كاذب البتة؛ فلذلك كانت الصديقية: كمال الإخلاص والانقياد والمتابعة للخبر والأمر ظاهرا وباطنا.