«أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله».

– اتخذ إمامنا لوحة بيضاء متوسطة الحجم، علقها على الحائط الأيمن من مدخل حرم المسجد، يكتب عليها حديثا صحيحا كل أسبوع، ذهبت لصلاة المغرب بنصف ساعة، وجدته يكتب الحديث أعلاه، وذيله بعبارة (السلسلة الصحيحة).

وتمامه، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي ذر: أي عرى الإيمان أوثق؟ قال أبو ذر: الله ورسوله أعلم، فقال – صلى الله عليه وسلم -: الحديث، سألته:

– أظن أنه من الأفضل أن تكتب شيئا عن معنى ألفاظ الحديث.

– لقد خطر على بالي وربما يكون من الأفضل كتابة مختصر المعنى.

بحث صاحبي عن شرح الحديث لكتابة شيء مختصر، أخذ يقرأ من (فيض القدير)، (أوثق) أقوى وأثبت وأحكم.

     (عرى) جمع  عروة، استعير لما يتمسك به من أمر الدين (في الله) فيما يرضي الله موالاة وتركا. وعند الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سأل الصحابة: «تدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ قلنا: الصلاة، قال: الصلاة حسنة وليست بذلك، قلنا: الصيام؟ قال: الصيام حسن وليس بذلك، قلنا: الجهاد في سبيل الله، قال: الجهاد حسن وليس بذلك، فقال: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله».

– شرح جميل، وعمل عظيم من أعمال القلب، ينفع العبد يوم القيامة.

– نعم، الأحاديث في بيان عظم هذا العمل القلبي كثيرة.

     عن معاذ بن جبل: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله -عز وجل- عبادا ليسوا بأنبياء، ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله، فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس، وألوى بيده إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم، وقربهم من الله، انعتهم لنا جلهم لنا -يعني صفهم لنا شكلهم لنا، فسر وجه النبي -صلى الله عليه وسلم – بسؤال الأعرابي، فقال رسول الله -[-: هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها، فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون» (صحيح الترغيب والترهيب). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:  «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»، رواه مسلم.

     وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «زار رجل أخا له في قرية، فأرصد الله له ملكا على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليه من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته» (مسلم).

     عن  أبي هريرة – رضي الله عنه -؛ حيث قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على  شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم». (رواه مسلم).

دخل المؤذن المسجد، شاركنا الحوار، بعد أن تأكد من موعد الأذان.

– لدي زميل في العمل يشتكي من سوء أخلاق المتدينين، يقول في التجارة يتلاعبون، وفي المواقف يتلونون، وفي المعاملات يتبعون مصالحهم، وإذا أقيمت الصلاة ركضوا إلى المصليات.

– ابتداء، لا يمكن التعميم، من المصلين من يلتزم شرع الله بطريقة صحيحة، ومنهم من فيه من العيوب، وكذلك من غير المصلين، فلا يمكن التعميم، والعبد الصالح يلتزم شرع الله كاملا في العقيدة والمعاملة والعبادة، ومن لم يفعل ذلك ظلم نفسه، وليس ذلك بسبب عيب في دين الله، ومن هذا الأصل فإن العبد قد يجمع في المرء حبا وبغضا، يحب في المرء التزامه بالصلاة وحرصه على الجماعة وصلاة الفجر، ويبغض فيه كثرة كذبه في المزاح، وإخلافه لعهوده، وعدم التزامه بديونه، فربما غلب بغضه حبه، ولكن كلاهما موجود.

يقول العلماء في هذا الباب:

     وهذا أصل من أصول الإيمان، وأصل عظيم، الحب في الله والبغض في الله، وهو أن تحب ما يحب الله من شخص؛ فتحب هذا الشخص؛ لأنه مستقيم على طاعة الله؛ لأنه يؤدي فرائض الله، ولو كان بعيداً، ولو كان أعجمياً، ولو كان في المشرق وأنت في المغرب، وتبغض من كان مستروحاً للمعاصي والكبائر والآثام ، والشرك، ولو كان قريباً لأمك وأبيك، فهذا من الأصول العظيمة التي أميتت في هذا الزمن، وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور، وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وذاك.

     يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «من أحب إنسانًا لكونه يعطيه، فما أحب إلا العطاء، ومن قال: إنه يحب من يعطيه الله، فهذا كذب، ومحال، وزور من القول، وكذلك من أحب إنسانًا لكونه ينصره، إنما أحب النصر لا الناصر، وهذا كله من اتباع ما تهوى الأنفس، فإنه لم يحب في الحقيقة إلا ما يصل إليه من جلب منفعة أو دفع مضرة، فهو إنما أحب تلك المنفعة ودفع المضرة، وليس هذا حبًّا لله ولا لذات المحبوب، وعلى هذا تجري عامة محبة الخلق بعضهم مع بعض، لا يثابون عليه في الآخرة ولا ينفعهم، بل ربما أدى هذا للنفاق والمداهنة؛ فكانوا في الآخرة من الأخلاء الذين بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وإنما ينفعهم في الآخرة الحب في الله وحده، وأما من يرجو النفع والضر من شخص، ثم يزعم أنه يحبه الله، فهذا من دسائس النفوس ونفاق الأقوال» الزهد والورع ج 1-45.