منذ انتشار فيروس كورونا في فبراير 2020 من العام الميلادي، تغيرت أمور كثيرة في العالم أجمع، توقفت حركة الطيران؛ فقبعت الطائرات جميعها على الأرض، ولم يجدوا أماكن لتخزينها، وتوقفت حركة البضائع، فتوقفت المصانع، وخلت المخازن، وتوقفت حركة العالم، في مشهد لم يكن يتصوره أحد، حتى بيت الله الحرام خلا من الطائفين، فضلا عن العاكفين والركع السجود، كل ذلك وهذا الفيروس لا يرى بالعين المجردة؛ فبضعة جرامات منه أوقفت العالم، وأعجزت الأطباء، وأرهقت الخدمات الصحية لدى أكثر الدول تقدما، ولكن الإنسان يأبى أن يعترف بعجزه، منذ نزل إلى الأرض وإلى يوم القيامة.

بلغنا الشهر العاشر بعد جائحة كورونا، وعادت الحياة إلى طبيعتها بنسبة 70٪؛ فلا زالت المدارس والجامعات مغلقة، ولا زالت الجهات الحكومية تطلب مواعيد مسبقة لمن يريد زيارتها.

كنت وصاحبي في طريقنا لأداء صلاة العشاء في المسجد، ويقف كل مصل على بعد مترين من غيره، ويلتزم بلبس الكمام وإحضار سجادته الخاصة به، فلما انتهينا من صلاة العشاء بعد الساعة السادسة والنصف بقليل، قررنا أن نمشي ساعة قبل الرجوع إلى منازلنا.

-الآيات التي قرأها إمامنا من سورة فصلت، فيها الكثير من العبر في مصير الأمم التي تتحدى الله -عز وجل.

– صدقت، وفي قصص الأمم السابقة عبرة، وذلك أن بعض تلك الحضارات بلغت مراتب في العلم والقوة، ربما أكبر مما عليه البشر أيامنا هذه.

– دعنا نتدبر تفسير هذه الآيات لعل الله ينفعنا بها.

– لك ذلك يا (أبا عبدالله)، فكتب التفسير كلها أصبحت بفضل الله محمولة في جيوبنا، يقول -تعالى-: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (فصلت:15-18).

قوله -تعالى-: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ} على عباد الله هود ومن آمن معه بغير الحق، وقالوا من أشد منا قوة؟! اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب، وقالوا: نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا . وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم.

عن ابن عباس: أن أطولهم كان مائة ذراع، وأقصرهم كان ستين ذراعا؛ فقال الله -تعالى- ردا عليهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة} وقدرة، وإنما يقدر العبد بإقدار الله، فالله أقدر إذا، {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} أي بمعجزاتنا يكفرون.

قوله -تعالى-: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم، أي: ريحا باردة شديدة البرد وشديدة الصوت والهبوب.

قوله -تعالى-: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بينا لهم الهدى والضلال، {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أي اختاروا الكفر على الإيمان، وقال أبو العالية: اختاروا العمى على البيان. السدي: اختاروا المعصية على الطاعة.

يقال: عذاب هون أي مهين كمال قال: {مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (سبأ:14)، وقيل أي صاعقة العذاب الهون. {بما كان يكسبون} من تكذيبهم صالحا وعقرهم الناقة، على ما تقدم. {ونجينا الذين آمنوا} يعني صالحا ومن آمن به، أي ميزناهم عن الكفار، فلما يحل بهم ما حل بالكفار، وهكذا يا محمد نفعل بمؤمني قومك وكفارهم.

والاستكبار: المبالغة في الكبر أي التعاظم واحتقار الناس؛ فالسين والتاء فيه للمبالغة، مثل: استجاب، والتعريف في الأرض للعهد، أي أرضهم المعهودة، وإنما ذكر من مساويهم الاستكبار؛ لأن تكبرهم هو الذي صرفهم عن اتباع رسولهم وعن توقع عقاب الله.