– مظاهر تكريم الله -عز وجل- لرسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – كثيرة ومتنوعة؛ فقد قرن طاعته بطاعته والاستجابة له بالاستجابة له، وحبه باتباعه، وذكره بذكره، وفضله على خلقه، وتكفل بتربيته وأخلاقه، وأقر عينه وشرح صدره، وغفر ذنبه، وجعل له ما لم يجعل لأحد من الأنبياء المرسلين ولا الملائكة المقربين، ومن ذلك أن الله اختاره رسولا للبشر جميعا، وللجن أيضا، كما قال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ:28)، وقال -تعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف:158).

– هل لك أن تمتعنا بما ورد في تفسير هذه الآيات ومثيلاتها؟

صاحبي مطلع جيد ومتابع نشيط للدورات والدروس والمحاضرات الشرعية، يعرف من سيزور الكويت من العلماء المتميزين سواء في العقيدة أم الفقه أم القراءات أم غيرها، ويدعوني دائما للذهاب معه إلى هذه المجالس المباركة، يقول: «تعال نؤمن ساعة».

– واستمع لما ورد في تفسير هذه الآيات: يقول -تعالى- ذكره: وما أرسلناك يا محمد إلى هؤلاء المشركين بالله من قومك خاصة، ولكنا أرسلناك كافة للناس أجمعين، العرب منهم والعجم، والأحمر والأسود، بشيرا لمن أطاعك، ونذيرا لمن كذبك: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أن الله أرسلك كذلك إلى جميع البشر.

أشار ابن عباس إلى هذا فقال: إن الله فضل محمدا على الأنبياء وعلى أهل السماء، فقالوا: بم يا ابن عباس فضله على أهل السماء؟ فقال: إن الله -تعالى- قال: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} (الأنبياء:29)، وقال لمحمد – صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (الفتح:1-2)، قالوا: فما فضله على الأنبياء؟ قال: قال الله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم:4)، وقال الله -عز وجل- لمحمد – صلى الله عليه وسلم -: {وما أرسلناك إلا كافة للناس}، «فأرسله إلى الجن والإنس».

عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة» (مسلم).

قوله: وأرسلناك للناس رسولا فيه البيان لعموم رسالته – صلى الله عليه وسلم – إلى الجميع، كما يفيده التأكيد بالمصدر، والعموم في الناس، ومثله قوله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس}، وقوله: {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}.

وموقع الاستدراك بقوله: ولكن أكثر الناس لا يعلمون رفع ما يتوهم من اغترار المغترين بكثرة عدد المنكرين رسالته بأن كثرتهم تغر المتأمل؛ لأنهم لا يعلمون.

ومفعول يعلمون محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي لا يعلمون ما بشرت به المؤمنين وما أنذرت به الكافرين، أي يحسبون البشارة والنذارة غير صادقتين.