في سورة آل عمران يقول -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}.

قال سعيد بن جبير، وقتادة، وطاوس، والحسن، والسدي: إنه أخذ الله ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا بالإيمان، ويأمر بعضهم بعضا بذلك. وهذا الميثاق أخذه الله على الأنبياء جميعهم، يؤذنهم فيه بأن رسولا يجيء مصدقا لما معهم، ويأمرهم بالإيمان به وبنصره، والمقصود من ذلك إعلام أممهم بذلك ليكون هذا الميثاق محفوظا لدى سائر الأجيال، بدليل قوله: {فمن تولى بعد ذلك..الآية}؛ إذ لا يجوز على الأنبياء التولي والفسق ولكن المقصود أممهم كقوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك}.

وبدليل قوله: {قال فاشهدوا} أي على أممكم، وإلى هذا يرجع ما ورد في القرآن من دعوة إبراهيم -عليه السلام-: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} (البقرة:129)، وقد جاء في سفر التثنية قول موسى -عليه السلام-: «قال لي الرب أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به»، وإخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل، ولو كان المراد نبيا إسرائيليا لقال أقيم لهم نبيا منهم على ما في ترجمة التوراة من غموض ولعل النص الأصلي أصرح من هذا المترجم.

والبشارات في كتب أنبياء بني إسرائيل وفي الأناجيل كثيرة؛ ففي (متَّى) قول المسيح: «وتقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرين ولكن الذي يصبر -أي يبقى أخيرا- إلى المنتهى فهذا يَخْلُص ويَكْرِزُ ببشارة الملكوت، هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى» وفي إنجيل يوحنا قول المسيح: «وأنا أطلب من الأب فيعطيكم مُعَزِّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد -وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم- ومتى جاء المعزى روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي»، إلى غير ذلك. وجملة قال: أأقررتم بدل اشتمال من جملة أخذ الله ميثاق النبيين. والإقرار هنا مستعمل في معنى التحقيق بالوفاء مما أخذ من الميثاق.

والإصر: بكسر الهمزة، العهد المؤكد الموثق.

قال -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب:7).

ذكر -جلا وعلا- في هذه الآية الكريمة أنه أخذ من النبيين ميثاقهم، ثم خص منهم بذلك خمسة: هم أولو العزم من الرسل، وهم محمد – صلى الله عليه وسلم -، ونوح، وإبراهيم وموسى، وعيسى، ولم يبين هنا الميثاق الذي أخذه عليهم، ولكنه -جل وعلا- بين ذلك في غير هذا الموضع؛ فبين الميثاق المأخوذ على جميع النبيين بقوله -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران:81-82).

– لا شك أن الرسل جميعهم أُخبروا عن محمد – صلى الله عليه وسلم -، وأُمروا أن يؤمنوا به، ولاسيما من كان سيدركه من اليهود والنصارى؛ ولذلك جاء النص صريحا من عيسى -عليه السلام- حين قال: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} (الصف:6).

– صدقت، ولا شك ألا دين بعد دين الإسلام، ولا نبي بعد محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ لذا لزم الجميع أن يؤمنوا به؛ فإنه جاء بما جاء به آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء -عليهم سلام الله-؛ فمن آمن برسوله ينبغي أن يؤمن بمحمد – صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذا هو أمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهو الدين الذي جاء به رسوله – صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار»، فلا ينبغي النظر إلى الأديان السماوية على أنها كلها سواء بعد بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم .