لا يطعن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – إلا كل متعصب أو ملحد كافر، أما المنصفون حتى من غير ملة الإسلام يعلمون أنه ذو رسالة سماوية خالدة وأنه بلغ الكمال البشري في خلقه، وإن كانوا يجهلون المكانة المميزة التي اختصه الله بها في الدانيا والآخرة.

معرض الكتاب في مسقط من المعارض التي أحب أن أحضرها؛ ليس لأنه الأهم والأكبر بين معارض الكتب ولكن حبا في عمان؛ برها وبحرها وأهلها وطقسها وتضاريسها، بعد ندوة اليوم الثاني ذهبت وصاحبي العماني لتناول العشاء في أحد المطاعم التي تقدم الأكل الشعبي، وقد رافقنا زميل أردني تعرفنا عليه في المعرض.

– لماذا الإصرار على تشبيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالبشر، لقد ميزه الله عن البشر بأنه لم يكن له ظل، وولد مختونا، ولا يحتاج إلى طعام، ولم يكن يتغوط، بل الأرض تبتلغ ما يخرج منه.

كان المتحدث صاحبي الأردني، يبدو أن لديه ميول صوفية، بل عرفنا فيما بعد أنه صوفي حتى النخاع.

– إنه ليس إصراراً على أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – بشر، بل هو ذكر ما قاله الله -عز وجل- عن رسوله – صلى الله عليه وسلم -؛ ففي سورة الكهف، وكلنا يحفظ هذه السورة أو يقرأها كل جمعة يقول -تعالى- في ختامها: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف:110)، وفي سورة فصلت يقول -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} (فصلت:6)، وانتبه إلى قوله: {بشر مثلكم}، ولم يكتف بقوله (بشر)، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يعتريه ما يعتري البشر من أمور جبلّية، كالبرد والحر والجوع والشبع والنوم والتعب والمرض وغير ذلك.

قاطعني:

– فما تقول في الحديث: «لست كهيئتكم يطعمني ربي ويسقيني».

ابتسمت قبل أن أبدأ حديثي لأذهب التوتر عن صاحبي.

– هذا الحديث في الصحيحين البخاري ومسلم وجاء في معرض النهي عن الوصال في الصوم، فقال له رجل: إنك تواصل يا رسول الله! قال -صلى الله عليه وسلم -: «وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» (متفق عليه)، فهذا الحديث خاص بالوصال في الصيام، أي أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يصوم ولا يفطر إذا غابت الشمس، وإنما يبقى دون أكل وشرب ليومين أو ثلاثة -أحيانا-، فقد ثبت في أحاديث أخرى أنه كان يأمر خادمه أن يقدم له الطعام مع غروب الشمس، وأنه كان يتسحر، ولكن في العشر الأواخر من رمضان، وكان يشتد في العبادة – صلى الله عليه وسلم -. الشاهد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بشر من حيث الخلق، فقد ولد كما يولد البشر من أب وأم، ومن نطفة، وترعرع في صباه مع الصبية، وعمل في شبابه مع الشباب، ولكن الله حفظه من كل مكروه وأكرمه بخصائص قبل بعثته وبعد بعثته، وبعد موته، وحين تقوم الساعة، وعند الحساب، وفي المحشر، وبعد أن يقضى بين الخلائق ويصير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ويذبح الموت.

وإليكما بعض الآيات والأحاديث التي تبين جزءا من ذلك.

فقد فضل الله -عز وجل- نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – على سائر الأنبياء والرسل الكرام.

وهذا واضح في قوله -تعالى-: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (البقرة: 253). والذي عليه المحققون من العلماء والمفسرين أن المقصود بقوله -تعالى-: {بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (البقرة: 253) هو سيدنا محمد -[- لأنه هو صاحب الدرجات الرفيعة، وصاحب المعجزة الخالدة المتمثلة في القرآن الكريم، وصاحب الرسالة الجامعة لمحاسن الرسالات السماوية السابقة.

كما أن الله -عز وجل- بعث كل نبي لأمته خاصة وبعث نبينا للناس عامة فقال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).

يقول -تعالى- لعبده ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي إلى جميع الخلائق من المكلفين.

وما من نبي بعثه الله – أيها المسلمون – إلا وقد أخذ الله عليه العهد والميثاق أن يؤمن بمحمد – صلى الله عليه وسلم – وينصره.

كما قال ربنا – جل وعلا -: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِين} (آل عمران: 81).