استكمالاً لما بدأناه في الحلقة الماضية من الحديث عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة وبعدها حيث ذكرنا حديث أبي سفيان مع هرقل واليوم نكمل ما بدأناه.

فأستدعى هرقل من كان في بلده من تجار العرب، وكان أبو سفيان هناك فسأله: «كيف نسبه فيكم؟»، قال أبو سفيان: «هو فينا ذو نسب»، وفي الحديث عن وائلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» مسلم.

ويعلم الجميع أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – مكث في قومه أربعين سنة قبل البعثة، وشهد له الجميع بالصدق والأمانة، فهو ذو خلق قبل الرسالة، وكملت أخلاقه ببعثته ودعوته للتوحيد، – صلى الله عليه وسلم – وأكرمه الله -سبحانه- بأن أقسم بحياته، بقوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} الحجر:72، قال الإمام القرطبي قال القاضي أبو بكر بن العربي: «قaال المفسرون جميعهم أقسم الله -تعالى- ها هنا بحياة النبي – صلى الله عليه وسلم – تشريفا له أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون».

هنا تدخل (محمود).

– يعني ممكن نحلف (بالنبي)؟ «أنا كنت أقول كده من زمان».

– ghيا (محمود)… أنت تحلف بالله فقط وأسمائه وصفاته أما الله -سبحانه فيقسم بما شاء من خلقه، فلا يجوز لك أن تحلف بالنبي.

أصيب صاحبنا بخيبة أمل!

– واختص الله -سبحانه- بأن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (الفتح:1-2).

وهنا سأل (محمود) مرة ثانية.

– وهل للنبي – صلى الله عليه وسلم – ذنب حتى يغفره الله -عز وجل؟

اسمع ما ورد في تفسير هذه الآية: روى محمد بن إسحق عن الزهري عن عروة بن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها، وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر، نزرتَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك، فقال عامر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، فجئت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسلمت عليه، فقال: «لقد أُنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس -ثم قرأ- {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}، لفظ البخاري، وقال عطاء عن ابن عباس: إن اليهود شتموا النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين لما نزل قوله -تعالى-: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} (الأحقاف:9)، وقالوا: كيف نتبع رجلا لا يدري ما يُفعل به؟! فاشتد ذلك على النبي – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله -تعالى-: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}.

ونحوه قال مقاتل

كأنه قال: إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجمع الله لك مع الفتح المغفرة، فيجمع الله لك به ما تقر به عينك في الدنيا والآخرة.

فإن قلت كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة؟ قلت: لم يُجْعَل علة للمغفرة، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، كأنه قال: يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل.

ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل: ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها قاله مجاهد وسفيان الثوري.

ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى، وسمي ذنبا في حقه لجلالة قدره وإن لم يكن ذنبا في حق غيره ويتم نعمته عليك بإظهار دينك على الدين كله، وقيل: بالجنة، وقيل: بالنبوة والحكمة، وقيل: بفتح مكة والطائف وخيبر، والأولى أن يكون المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام، ومعنى «يهديك»: يثبتك على الهداية إلى أن يقبضك إليه، وينصرك الله نصرا عزيزا أي: غالبا منيعا لا يتبعه ذل. هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين أي: السكون والطمأنينة بما يسره لهم من الفتح لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم أي: ليزدادوا بسبب تلك السكينة إيمانا منضما إلى إيمانهم الحاصل لهم من قبل.

وللحديث بقية إن شاء الله