– ينبغي للعبد أن يتدبر آيات القرآن حال قراءته لها، وذلك بمعرفة معاني الكلمات وأسباب النزول، فكلام الله فيه خير لا ينتهي، وعبر لا تنقضي، فمثلا لو تدبر أحدنا قوله -سبحانه-: {وفي الأرض آيات للمؤمنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون}(الذاريات: 20-21).

يدرك أن العلامات الدالة على وحدانية الله وقدرته، فضلا عن وجوده -سبحانه- كثيرة من حوله في الأرض، بل وفي خلق الإنسان ذاته، لو تدبر الإنسان في نفسه لوصل إلى توحيد الله وعبادته والخضوع له؛ فتكون مهمة الرسل بيان الطريقة التي يريدها الله من عباده أن يعبدوه بها.

كنا ثلاثة في قهوة شعبية وسط المدينة بعد صلاة العشاء، طلبنا عشاء خفيفا: لبنة، وزيتون، وزعتر، وجبنة، مع إبريق شاي.

– هل لك أن تقرأ لنا شيئا من تفسير هذه الآيات من سورة الذاريات؟

– نعم، أبشر يا أبا صالح.

وصل طلبنا.

– دعنا ننتهي من الطعام ثم نبحث في التفسير.

وكان ذلك.

اسمعا إذاً ما ورد في تفسير هاتين الآيتين من سورة الذاريات: {وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون}(الذاريات: 20-21).

وذلك شامل للأرض نفسها وما فيها، من جبال، وبحار، وأنهار، وأشجار، ونبات تدل المتفكر فيها والمتأمل لمعانيها على عظمة خالقها، وسعة سلطانه، وعميم إحسانه، وإحاطة علمه بالظواهر والبواطن، وكذلك في نفس العبد من العبر والحكمة والرحمة، ما يدل على أن الله وحده الأحد، الفرد الصمد، وأنه لم يخلق الخلق سدى.

{وفي الأرض آيات للموقنين} أي: دلائل واضحة، وعلامات ظاهرة من الجبال، والبر، والبحر، والأشجار، والأنهار، والثمار، وفيها آثار الهلاك للأمم الكافرة المكذبة لما جاءت به رسل الله ودعتهم إليه، وخص الموقنين بالله؛ لأنهم الذين يعترفون بذلك ويتدبرون فيه فينتفعون.

وهذا متصل بالقسم وجوابه من قوله: {والذاريات}(الذاريات: 1)، وقوله: {إن الدين لواقع} إلى قوله: {والسماء ذات الحبك}(الذاريات: 6-7)؛ فبعد أن حقق وقوع البعث بتأكيده بالقسم انتقل إلى تقريبه بالدليل لإبطال إحالتهم إياه؛ فيكون هذا الاستدلال كقوله: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى}(فصلت: 39).

وما بين هاتين الجملتين اعتراض؛ فجمله: {وفي الأرض آيات للموقنين}، يجوز أن تكون معطوفة على جملة جواب القسم، وهي {إنما توعدون لصادق}(الذاريات: 5).

– والمعنى: وفيما يشاهد من أحوال الأرض، آيات للموقنين، وهي الأحوال الدالة على إيجاد موجودات بعد إعدام أمثالها وأصولها، مثل: إنبات الزرع الجديد بعد أن باد الذي قبله وصار هشيما، وهذه دلائل واضحة متكررة لا تحتاج إلى غوص الفكر؛ فلذلك لم تقرن هذه الآيات بما يدعو إلى التفكر كما قرن قوله: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}(الذاريات: 21).