لقد أقام الله الحجة على خلقه جميعا، بالآيات الكونية وغيرها؛ ففي خلق الإنسان آيات، وفي إخراج النبات آيات، وفي تقلب الليل والنهار آيات، وفي الجبال وفي البحار والأنهار آيات وليس على الإنسان سوى أن يقلب نظره، ويتفكر؛ ليصل إلى الواحد القهار -سبحانه وتعالى.

استدرك عليَّ صاحبي.

– وأعظم من ذلك كله سور القرآن العظيم؛ ففي كل سورة معجزة تدل على المُنزِّل، وعلى صدق الرسول – صلى الله عليه وسلم – وليس على الإنسان إلا أن يسمع سماع فهم وتدبر؛ ليصل إلى الهداية.

كنت وصاحبي في رحلة قصيرة إلى المناطق الزراعية شمال الكويت وتسمى (العبدلي)، انتشرت فيها المزارع والمتنزهات، يقضي ملاكها عطلة نهاية الأسبوع فيها، ويزورها غيرهم لنهار كامل ليستمتعوا بالخضرة والهواء النقي.

– لذلك نفى الله الاستفادة من آيات القرآن عن الفاسقين والكافرين والظالمين والذين لا يسمعون والذين لا يؤمنون، كما قال -تعالى-: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} (يونس:101).

– تحضرني الآن بعض الآيات، دعنا نأخذ مجلسا في مكان هادئ ونبحث عن معانيها.

كنا قد دخلنا مزرعة (البحيرة الزرقاء)، وأخذنا مجلسا هادئا على ضفاف بحيرة صناعية صغيرة، أضفت على المكان جمالا إلى جماله.

– مثل قول الله -تعالى-: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)} (البقرة).

     وقوله -سبحانه-: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ  وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ  إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)}.

وقوله -عز من قائل-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)} (لقمان).

جمعت ما تيسر من تفسير هذه الآيات في ملف واحد، وأخذت أقرأ على صاحبي.

اسمع يا أبا خالد:

يقول الله -عز وجل- لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات}، تحصل بها الهداية لمن استهدى، وإقامة الحجة على من عاند، وهي في الوضوح والدلالة على الحق، قد بلغت مبلغا عظيما، ووصلت إلى حال لا يمتنع عن قبولها إلا من فسق عن أمر الله، وخرج عن طاعته، واستكبر غاية التكبر.

قوله: وما يكفر بها إلا الفاسقون عطف على لقد أنزلنا؛ فهو جواب للقسم أيضا.

     والفاسق هو الخارج عن شيء من فسقت التمرة، كما تقدم في قوله -تعالى-: {وما يضل به إلا الفاسقين} (البقرة:26)، وقد شاع إطلاقه على الخارج عن طريق الخير؛ لأن ذلك الوصف في التمرة وصف مذموم وقد شاع في القرآن وصف اليهود به، والمعنى لا يكفر بهذه الآيات إلا من كان الفسق شأنه ودأبه؛ لأن ذلك يهيئه للكفر بمثل هذه الآيات؛ فالمراد بالفاسقين المتجاوزون الحد في الكفر، المتمردون فيه، والإخبار وقع بالمضارع الدال على التجدد، والتوصيف وقع باسم الفاعل المعروف باللام.

{وكذلك أنزلنا إليك} يا محمد، هذا {الكتاب} الكريم، المبيِّن كل نبأ عظيم، الداعي إلى كل خلق فاضل، وأمر كامل، المصدق للكتب السابقة، المخبر به الأنبياء الأقدمون.

{فالذين آتيناهم الكتاب} فعرفوه حق معرفته، ولم يداخلهم حسد وهوى.