– كتاب الله -القرآن- فيه ست آلاف ومئتان وست وثلاثون آية، عدا البسملات، كل آية معجزة؛ لأنه كلام الله الذي تكلم به على الحقيقة، ونزل به جبريل -عليه السلام- على محمد صلى الله عليه وسلم خلال فترة زمنية، امتدت لثلاث وعشرين سنة.

قاطعني.

– نعلم أن الكتب السماوية هي: الزبور، وصحف إبراهيم، والتوراة، والإنجيل، والقرآن، لماذا لا تعد الكتب الأخرى أيضاً معجزات من الله -عز وجل-؟ بمعنى لماذا مثلا لم يُعجز موسى قومه بالتوراة على أن يأتوا بمثله، وأعجزهم بالعصا واليد؟!

– سؤال جميل، من رجل جميل في فكره ومنطقه.

قلتها مداعبا صاحبي (بو مشعل) ونحن في طريقنا إلى مزرعته بعد صلاة الجمعة للإعداد لاجتماع رواد المسجد الشهري؛ حيث يستضيف أحد العلماء أو طلاب العلم، ثم يقدم العشاء، ومنهم من يقضي ليلته هناك إلى فجر السبت؛ حيث يمارسون هواية صيد الطيور.

– أولاً: كان الهدف من إنزال التوراة هو بيان المنهج، ولم تكن البلاغة، والفصاحة هي أفضل ما يتقنه بنو إسرائيل، بل كانوا يتحدون بعضهم بعضا في السحر؛ ولذلك جمع فرعون أفضل السحرة، يقول -تعالى-: {قالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍعَليم }(الأعراف: 112-113)، وفي سورة الشعراء: {يأتوك بكل سحار عليم}(الشعراء: 37)؛ فالذين أتوا لتحدي موسى هم أساتذة السحر، الذين غلبوا السحرة الآخرين جميعهم، وهكذا يكون التحدي أن تأتي بالأفضل، ثم تغلبه، هذه واحدة، والثانية: أن الله أنزل التوراة لبيان منهج معين فقط، وشرائع أتى بها موسى إلى قومه، ومن بعد التوراة سينزل الإنجيل لبيان المنهج أيضاً، وليس ليبقى إلى يوم القيامة؛ لأن القرآن سيأتي مهيمنا على هذه الكتب، وسيأتي للبشر جميعهم، وسيأتي ليبقى إلى يوم القيامة، لا يأتي كتاب بعده ينسخ شيئاً منه، ولا يغير حرفا واحدا فيه، وهو للعالمين جميعا، ليس للعرب فقط، ولا لمن عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، ولا لأهل المشرق أو المغرب، وإنما لجميع الخلق في جميع الأزمنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وأخيراً، لم يكن على وجه الأرض قوم أكثر فصاحة من العرب ولا أتقن بلاغة منهم، حتى أنهم كانوا يعلقون أجود أشعارهم على الكعبة، التي يعظمها الخلق؛ فأنزل القرآن متحديا أفضل الخلق لسانا وأجودهم منطقا؛ فغلبهم، وسيبقى هذا التحدي قائما إلى يوم القيامة؛ لذلك كان القرآن معجزة ولم تكن التوراة، ولا الإنجيل، ولا الزبور، ولا صحف إبراهيم من المعجزات.

كان الجو جميلا في أواخر شهر نوفمبر بعد مطر استمر أسبوعا، قررنا أن نأكل طعام الغداء في الصحراء المخضرة قبل أن نصل إلى المزرعة، ولاسيما وأننا أحضرنا كل ما نحتاجه. اختار صاحبي تلة صغيرة، أعددنا مجلسنا.

تابعنا حديثنا.

– في القرآن وردت كلمة (آية)و (آيات) لنحاول أن نتفكر في الآيات التي أراد الله أن ينبهنا لها في كتابه.

– نعم، كلام جميل، مرة أخرى، في بعض الأحيان تأتي كلمة آية بمعنى (دلالة) أو (علامة)، وأحيانا بمعنى (معجزة)، وأمر (خارق للعادة)، ويبين الله -عز وجل- أن الذي يعتبر من الآيات هم (المؤمنون)، (قوم يتفكرون)، (المتوسمين)، (قوم يعقلون)، (قوم يذكرون)، (قوم يسمعون)، (قوم يعلمون)، (المنيبون)، (أولو الألباب)، (قوم يتقون)، (أولو النهى)، (قوم يوقنون)؛ لذلك ينبغي على العبد أن يجتهد أن يكون فيمن تنفعهم الآيات التي يذكرها الله -سبحانه وتعالى- وكلمة (آية) و(آيات)، وتصريفاتها وردت أكثر من مئة مرة في كتاب الله -عز وجل- لنحاول أن نتدبر بعض معانيها.