– اللسان مخلوق عجيب، بل آية من آيات الله -عز وجل-، وما أكثر آيات الله في جسم الإنسان! {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.

– أنتم أيها الأطباء لكم نظرة في جسم الإنسان، تختلف عن نظرة الإنسان العادي، أما أنا فأنظر إلى جسم الإنسان من خلال القرآن.

– ماذا تعني نظرتي من خلال القرآن؟

– مثلا اللسان، أنظر إليه من خلال قول الله -تعالى-: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}(ق)، ومن خلال قوله -سبحانه-: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}(التوبة: 75)، وقوله -سبحانه-: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما}(النساء: 148)، وأيضاً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل في الحديث الطويل عندما قال معاذ رضي الله عنه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!» صححه الألباني، وفي الحديث الآخر وفيه الدرجة ذاتها من الإنذار، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها له درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم» البخاري.

كنت وصاحبي الدكتور (معن) في مشوار إلى معرض المركبات لجلب مركبته الجديدة، بعد أن استلم وظيفته في المستشفى، واستقرت أموره في الكويت.

– هذه النظرة الشرعية، أو الروحية أهم بكثير من نظرتنا -نحن الأطباء-؛ فمن خلال هذه الآيات و الأحاديث يستقيم لسان الإنسان.

قاطعته

– وإذا استقام لسانه، استقام حاله.

ابتسم صاحبي..

– جميلة هذه الجملة: «من استقام لسانه، استقام حاله»، والعكس صحيح.

– إذا اسمع هذا الحديث:

عن أبي سعد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح ابن آدم قال سائر الجسد للسان: اتق الله فينا إنما نحن بك إذا استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».

– هل هذا الحديث صحيح؟

– لا أعلم، ولكن دعني أبحث عنه في هاتفي.

وجدته في الزهد لابن مبارك، وروى أحمد والترمذي بلفظ: إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، وتقول: ننشدك الله فينا، إنك إذا استقمت استقمنا، وإذا اعوججت اعوججنا»، ولا أعلم مدى صحته، ولكن دعني أبحث.

– ها قد وجدته (حسنه الألباني) وأورده في صحيح الجامع.

سررت عندما توصلت إلى صحة الحديث.

– هذه الأحاديث شديدة في التحذير من ذنوب اللسان، ولاسيما حديث معاذ «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!»، ولكن ما معنى كلمة (الكفر)؟ التي وردت في الآية من سورة التوبة؟

– دعني أقرأ لك ما ورد في كتب التفسير.

عن هشام بن عروة، عن أبيه: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر}، قال: نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت، قال: إن كان ما جاء به محمد حقا؛ لنحن أشر من الحمر»؛ فقال له ابن امرأته: والله يا عدو الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت؛ فإني إلا أفعل أخاف أن تصيبني قارعة، وأؤاخذ بخطيئتك؛ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس، فقال: «يا جلاس، أقلت كذا وكذا؟ فحلف ما قال؛ فأنزل الله -تبارك وتعالى-: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.

فلما نزل فيه القرآن، تاب ونزع وحسنت توبته فيما بلغني.

– عن مجاهد: كلمة الكفر، قال أحدهم: «لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير»؛ فقال له رجل من المؤمنين: إن ما قال لحق، ولأنت شر من حمار! قال: فهم المنافقون بقتله؛ فذلك قوله: «وهموا بما لم ينالوا».

وقال آخرون: بل نزلت في عبدالله بن أبي بن سلول:

– عن قتادة قوله: {ويحلفون بالله ما قالوا} إلى قوله: {من ولي ولا نصير}، قال: ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة، والآخر من غفار، وكانت جهينة حلفاء الأنصار، وظهر الغفاري على الجهني؛ فقال عبدالله بن أبي للأوس: انصروا أخاكم؛ فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: «سمن كلبك يأكلك»، وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}(المنافقون: 8)؛ فسعى بها رجل من المسلمين إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ فأرسل إليه؛ فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله؛ فأنزل الله -تبارك وتعالى-: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر}.