بعث لي رسالة نصية يخبرني من خلالها أنه نقل للعمل في سفارة الكويت لدى إحدى الدول الخمس عشرة التي ظهرت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، لم أرد عليه نصا، وإنما هاتفته بمكالمة مجانية بعد التحيات.

– ماذا يعمل أحدنا إذا كثرت سيئاته؟

– قبل أن أجيبك، ينبغي أن أذكر بعض الثوابت في العقيدة، أولها أن كل ابن آدم خطاء، والثانية أن إبليس وأعوانه لا يتركون أحدا دون محاولة إغوائه بسبل وطرائق لا تكاد تحصى، والثالثة أن غاية إبليس تقنيط العبد من رحمة الله، والرابعة أن رحمة الله واسعة، ومغفرته لا حدود لها، وهو -سبحانه- يحب أن يتوب ويغفر ويعفو عن عباده، بعد هذه القضايا، التي هي من العقائد والثوابت التي لا ينبغي لعبد أن يغفل عنها في أحواله جميعها دعني أبين لك أن أسباب زوال السيئة أكثر من بقائها.

– سأفتح مكبر الصوت لأن صاحبي جالس بجانبي ويرغب أن يستمع إلى حديثنا، ربما نستفيد جميعا.

بعد أن سلمت على صاحبه.

– طبعا، أول أسباب زوال السيئة التوبة، فمن تاب عن ذنب تاب الله عليه، مهما كان الذنب، ولكن حديثنا هنا عن الذنوب التي لا يتوب العبد منها، من أعظم أسباب زوال السيئة الاستغفار، والاستغفار طلب المغفرة وهي الستر والتغطية، وتحمل معنى إسقاط العذاب، وصيغة الاستغفار أن يقول العبد: «اللهم اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»، أو «أستغفر الله العظيم وأتوب الله»، أو غيرها من طلب صيغ المغفرة؛ ففي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن عبدا أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفره فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفره، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا، قال: رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، فليفعل ما شاء».

وفي الحديث الآخر: «إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم؛ فقال الرب -سبحانه-: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» (صحيح الجامع الصغير)؛ فالاستغفار من أعظم أسباب زوال الذنوب، وإن تكررت وتنوعت ولكن دون استخفاف واستباحة.

والثالثة…

كثرة الحسنات؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها، كما قال -سبحانه-: {إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود: 114).

وفي حديث أبي ذر، قال – صلى الله عليه وسلم -: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (رواه أحمد وحسنه الألباني)، ومن الحسنات الوضوء، فإنه يذهب السيئات، ومصافحة الأخ المسلم، والذكر بعد المجلس، والذكر بعد الأكل، وهناك مجموعة أذكار تمحو السيئات ينبغي على العبد أن يحفظ شيئا منها لاسيما ما يتكرر يوميا.

والرابعة ما يصيب العبد من مصائب الدنيا ومنغصاتها؛ ففي الحديث، قال – صلى الله عليه وسلم -: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا غم ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه» (مسلم)، وفي المسند: «أنه لما نزل قوله -تعالى-: {من يعمل سوءا يجز به} (النساء: 123)، قال أبو بكر: يا رسول الله، نزلت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءا؟ فقال: يا أبا بكر، ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به» (حسنه الألباني).

وبالطبع المفترض في العبد حال المصيبة الصبر والدعاء لا الضجر والسخط والتلفظ بما يبغضه الله وإلا كانت عليه وبالا عظيما.

استأذن صاحبي أن يرد على مكالمة وردت للهاتف الأرضي الثابت في مكتبه، أنهى مكالمته، وعاد.

– نعم، آسف أكمل حديثنا.

والخامسة مما يكفر السيئات ويمحو أثرها دعاء المسلمين لبعضهم بعضا، وهو من الدعاء بالغيب والدعاء بظهر الغيب مستجاب، ويقال للعبد ولك مثله كما في الحديث؛ ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل»، فينبغي على العبد أن يدعو لإخوانه بالمغفرة والرحمة والثبات في الحياة الدنيا وبعد الممات.

والسادسة استغفار الملائكة، كما في قوله -سبحانه-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (غافر:7-9)، وفي الحديث المتفق عليه: «… فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه اللهم ارحمه، وفي رواية: اللهم اغفر له.. اللهم تب عليه».

هذه بعض أسباب زوال آثار السيئات، ولكن ينبغي التنبيه على أن العبد لا ينبغي أن يستهين بالذنوب؛ فإن الاستهانة بالذنب قد يؤدي بالقلب إلى استحلاله، وهذه عظيمة وكبيرة عند الله -تعالى-، وكذلك ينبغي ألا يصل إلى مرحلة (محبة الذنب)؛ لأن من سمات المؤمنين حب الطاعات وبغض المعاصي وإن وقعوا فيها، كما قال -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات:7).

وأخيرا ينبغي الحذر من الذنوب التي تكون فيها حقوق للآدميين سواء حقوق مادية أم معنوية؛ فمن اغتاب أو همز أو لمز أو شتم أو استهزأ أو احتقر، أو ضرب أو أكل مالا، أو شهد زورا، أو غير ذلك مما يكون فيه حق للآخرين ينبغي الاعتذار ورد الحقوق؛ فهذه لا يغفر إلا بالقصاص، حتى يوم القيامة.