– من المفاهيم التي يصححها الله -عز وجل- مفهوم (الموت)، موعده، طبيعته، تعريفه، مراحله، بدايته، نهايته.

– لم أفهم شيئاً، هل لك أن تحدثني بكلمات أخرى أسهل للفهم.

كنت وصاحبي في مركبته لزيارة أخ لنا في منطقة الجهراء (غرب الكويت)، أدخل المستشفى بسبب آلام شديدة في المعدة.

– مثلا، يظن كثير من الناس أن الموت يطاردهم، ولاسيما إذا أصابهم مرض خطير، أو أصبحوا في موقف صعب على قارب وسط البحر،أو في رحلة جوية ووقع خلل جسيم في الطائرة.

المفهوم العام عند البشر أنهم (لا يفرون من الموت)، وهذا الفهم خطأ؛ لأن الموت يلقانا ولا يطاردنا، اسمع قول الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(الجمعة: 8)، ويقول -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}(البقرة: 243)، ويقول -تعالى-: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}(الأحزاب: 16)؛ ولذلك ينبغي على العبد أن يؤمن يقينا أنه لا يموت إلا عندما يحين أجله، وهذا من علم الغيب الذي استأثر به الله -عز وجل-{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(لقمان: 34).

– ولكن الخوف من الموت، خوف فطري، طبيعي!!

– تقصد الخوف من الأسباب التي قد تؤدي إلى الموت في اللحظات التي تسبق الموت، كالخوف عندما يشهر أحدهم سلاحا في وجهك، أو الخوف عندما يحاصرك حيوان متوحش، أو غير ذلك، نعم هذا الخوف فطري وطبيعي، ولكننا هنا نتكلم عن قضية غيبية في العقيدة، وهي أن لحظة الموت ومكان الموت كتبه الله -عز وجل- قبل خلق السموات والأرض بخمسمئة عام، والموت يلقى الإنسان، وكأن العبد هو الذي يذهب إلى الموت، وليس الموت هو الذي يطارد العبد.

قطعت حديثنا لأسأل عن الزمن المتبقي لنصل إلى صاحبنا، وكنا قد بدأنا مسيرنا قبل نصف ساعة.

– سنصل إن شاء الله بعد عشرين دقيقة، لنتابع حديثنا؛ فقد وصف الله -عز وجل- الموت بأنه مصيبة {إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ}.

– لاشك أنه مصيبة، ولاسيما لأهل المتوفى، أما من حضره الموت، وهذا الأسلوب هو الذي ورد في القرآن (حضر)، (أتى)، (جاء) الموت؛ فإن مآله حسب حاله، وللموت سكرات؛ فهو شديد على الجسد، ولكن المؤمن تأتيه البشارات قبل أن يموت؛ فإذا حان الأجل، وأزف الوقت، وكانت ساعة الموت؛ فإن العبد المؤمن يرى ملائكة الرحمة، وهذه من أعظم البشارات، والناس حوله لا يعلمون ما الذي يحدث له {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ}(الواقعة: 83-85)، وهذه من المراحل الأخيرة لخروج الروح من الجسد، وهذا هو تعريف الموت، وأن العبد يمر بهذه المراحل، كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم .

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا احتضر المؤمن أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء؛ فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان؛ فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا حتى يأتوا به أبواب السماء؛ فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض!؛ فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبة يقدم عليه؛ فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه قإنه كان في غم الدنيا؛ فيقول: قد مات أما أتاكم؟ فيقولون: قد ذهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح؛ فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله -عز وجل- فتخرج كأنتن ربح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض؛ فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار» رواه أحمد والنسائي (صحيح)

– في رأيي أن الأحاديث الصحيحة في وصف ما يحدث للإنسان أثناء الموت وبعد الموت، نعمة عظيمة في دين الإسلام؛ وذلك أن جميع البشر يتساءلون عن هذه القضية الحتمية، الجميع يموت، ولكن ما الذي يحصل، لا أحد يستطيع أن يجزم بشيء إلا من آمن بالله ورسوله؛ فهو في كتاب الله آيات بينات، وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كلمات واضحات، ما على المرء إلا أن يبذل الأسباب للثبات على الحق، ويدعو الله أن يثبته، وأن يحسن خاتمته، ويحسن الظن بالله، والمآل خير بإذن الله -تعالى.