– نعم في الجنة بيوت، بعضها من لؤلؤ، كبيت أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، وبعضها من ذهب، وبعضها من فضة، وبعضها طوبة من فضة وأخرى من ذهب، وبعضها قصور فسيحة، والجميع في قمة سعادته ورضاه، لا يخطر بباله شيء إلا ناله.

– وكيف يستدل أحدنا إلى منزله في الجنة؟ هل هناك عناوين وأرقام وشوارع؟!

– هذه الأمور يحتاجها البشر في الدنيا لمعرفة منازلهم، أما الجنة فلا عناء فيها أبدا. عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يخلص المؤمنون من النار يوم القيامة؛ فيحتبسون على قنطرة بين الجنة والنار؛ فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة؛ فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا» تعليق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

كنت وصاحبي في زيارة للمكتب الهندسي للاتفاق النهائي على مخطط بناء منزله الجديد، الذي عزم على إنشائه بعد أن جمع مستحقاته بعد ثلاثين سنة عملا.

– وهل بيوت الجنة جاهزة الآن أم يبنيها أحد بعمل ما؟!

– بعض البيوت، بل والقصور جاهزة، تنتظر سكانها، وبعض البيوت يبنيها المؤمن بأعمال يأتي بها في الدنيا، من ذلك الحرص على أداء اثنتي عشرة ركعة كل يوم. ففي حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة، إلا بنى الله له بيتا في الجنة» صحيح مسلم.

ومن ذلك بناء مسجد لله، وإن كان صغيرا جداً؛ ففي الصحيحين عن عثمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة».

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من بنى مسجدا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة» صحيح الترغيب والترهيب.

اضطر صاحبي أن يرد على الهاتف، أخبره المهندس أنه سيتأخر نصف ساعة عن موعده لظرف طارئ.

– فرصة أن نؤدي صلاة المغرب في المسجد ثم نرجع، تابع حديث (بيوت الجنة).

– ومن الأعمال التي تؤدي إلى بناء بيت في الجنة، دعاء دخول السوق.

     عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة» رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي شرح السنة: «من قال في سوق جامع يباع فيه» بدل «من دخل السوق» حسنه الألباني. وإذا توفي للمسلم ابن فصبر واحتسب كما في الحديث: «إذا مات ولد الرجل يقول الله -تعالى- لملائكته: أقبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم؛ فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم؛ فيقول: فماذا قال عبدي؟ قال: حمدك واسترجع؛ فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» حسن. وأسهل من ذلك إذا دخل المسجد فسد الفرجة بين مصليين، كما في الحديث: «من سد فرجة بنى الله له بيتا في الجنة ورفعه بها درجة». صحيح، وعن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة».

هذه أعمال يسيرة، أجرها عظيم إذا كان الأجر بيتا في الجنة بالطبع، نرجع إلى القاعدة الكبرى في ذلك، أن يكون هذا العمل ديدنه، وألا يأتي بعمل يمنعه من دخول الجنة، كقطيعة الرحم، وإدمان الخمر، وإدمان النميمة، وقبل ذلك كله الشرك بالله.

دخلنا المسجد لأداء صلاة المغرب، تابعنا الحديث بعد أن خرجنا من المسجد في طريقنا إلى مكتب المهندس.

– وهناك أعمال أخرى، دعني أبحث في أحاديثها في هاتفي.

استخرجت الأحاديث التي أريد.

– اسمع يا أبا عبدالله.

عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» السلسلة الصحيحة.

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا زعيم، والزعيم الحميل لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وببيت  في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة؛ فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا ولا من الشر مهربا يموت حيث يشاء أن يموت» رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.

     وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا» صحيح. «من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا بنى له بيت في الجنة» حسن. والمراد بالأولى: صلاة الظهر فيما يبدو. والله أعلم. استدلالا بهذه الأحاديث، يمكن للعبد أن يكون له أكثر من بيت في الجنة.

– ولم لا؟ فمن ترك المراء، وترك الكذب في المزاح، ومن حسن خلقه كان له بيت في ربض الجنة ووسطها وأعلاها. والله إن بناء بيت في الجنة أهون من بناء بيت في الدنيا، وأرخص. نسأل الله العافية.