– يحتاج البشر أن يذكروا دائما بضعفهم حتى لا يطغوا، ويتجبروا، ويتكبروا، ويظلم بعضهم بعضا، بل ويستعلوا في الأرض حتى يظنوا أنهم يملكون مفاتيح المخلوقات؛ فيعتقد بعضهم أنه يستطيع أن يفعل ما شاء، متى ما شاء!

– أوافقك الرأي، ولا أعلم أن هذه الخاصية، أو هذا الخُلُق -أعني الاستعلاء والتكبر- يولد مع الإنسان بل يكتسبه، مع امتلاك أدوات القوة والتمكين.

– لاشك أنه يكتسبه مع امتلاكه أسباب القوة والتمكين من مال، وسلاح، واختراعات، وتكنولوجيا، وغيرها من أدوات، نعم، يولد أحدنا وفيه خاصية الأنانية، وحب التملك، وحب الحرية والتصرف، ولكن الله أرشدنا إلى طريقة صحيحة لترويض هذه الأخلاق؛ لتكون في صالح العبد، لا ضده؛ ولتكون أدوات بناء لا معاول هدم.

كنت وصاحبي نمشي في حرم المسجد قبل صلاة العصر بنصف ساعة؛ وذلك أن حرارة الجو التي أصبحت (50 درجة مئوية) في المعدل منعتنا من ممارسة رياضتنا المعتادة في الأجواء الخارجية.

– كثيرا ما يذكر الله الإنسان أنه مخلوق ضعيف، مهما أوتي من قوة؛ فبدايته: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}(النمل: 87)، ويقول الله -تعالى-: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}(الروم: 54)؛ وحيث إن هذه الآيات لا يتعظ بها أغلب الناس، يذكر الله الإنسان بضعفه، بما يصيبه من أمراض تدخله الفراش أياما وربما أسابيع، وكتب الموت على الجميع، وهنا لا أحد يملك قدرة العودة، أو حتى الاعتراض بعدم الذهاب، وهذا الشعور -أعني شعور القصور والضعف وعدم الدوام- يحتاجه كل أحد -حتى الكافر والملحد- حتى تستقيم حياة الإنسان على وجه الأرض؛ فلا يظلم غيره من بني آدم، ولايأكل حق غيره، ولا يعتدي على ضعيف، ولا يتكبر على بني جلدته.

عن أبي هريرة قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه -في طريق عودته من أحد أسفاره؛ فبكى صلى الله عليه وسلم وأبكى من حوله، وقال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها؛ فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها؛ فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت».

– والحديث الآخر: «كفى بالموت واعظا».

– هذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني -رحمه الله.

دخل المسجد اثنان من العمال، أخذا حاجتهما من الماء البارد، وذهبا للاتكاء في إحدى الزوايا، أشرت إليهما بضرورة صلاة ركعتي تحية المسجد قبل الجلوس.

تابعت وصاحبي، مَشْيَنا بانتظار الأذان بعد عشر دقائق.

– أما المسلم؛ فيحتاج ألا ينسى أنه مخلوق ضعيف حتى لا يطغى؛ وذلك في آيات كثيرة من كتاب الله، مثل قوله -تعالى-: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا}(النساء: 28)، وقوله -تعالى-: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا[(الإسراء: 37)، {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون}(غافر: 57)، وأما من لا يقرأ القرآن، له في مصير الطغاة السابقين عبرة، ماذا كان مصيرهم بعد كل الظلم والطغيان الذي فعلوه في البلاد والعباد؟ خسف، وغرق، وهلاك، ونهايات مذلة.

– أظن حتى الذين لا يقرؤون القرآن، عندما يقارنون النظام الكوني الذي اكتشفوه إلى الآن بخلق الإنسان، يصلون إلى نتيجة حتمية أن هذه المخلوقات السماوية أعظم من الإنسان حجما، وترتيبا، ونظاما.

– إن مكانة الإنسان في هذا الكون، مبنية على علاقته بالله -عز وجل-؛ فإن تكبر، وتجبر، أذله الله، وإن هو آمن بالله، أكرمه الله -عز وجل- حتى ليذكره في الملأ الأعلى، إذا هو ذكره في ملأ من الناس، كما في الحديث القدسي، عن ابن عباس عن النبي[، قال الله -تعالى-: «يا ابن آدم إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا، وإذا ذكرتني في ملأ، ذكرتك في ملأ خير من الذين تذكرني فيهم» (السلسلة الصحيحة)؛ فالعبد له مكانة حقيقية في الملكوت إذا هو أحسن في حق الله، وإن كانت لا قيمة مادية له بين الناس، والعكس صحيح.

– أظن أن العاقل وإن كان كافرا، يعلم ألا ينبغي له أن يتكبر ويتجبر ويطغي في هذه الدنيا؛ لذا ترى العقلاء منهم يسعون إلى عمل الخير والتبرع للمرضى، والأيتام، والفقراء؛ وذلك لتخلد ذكراهم، أما المؤمن فهو في نعمة عظيمة أن هداه الله؛ ليعلم كيف يتصرف في هذه الدنيا؛ ليخلد اسمه في الآخرة، وألا ينتهي به المطاف أن يطلق اسمه على شارع، أو طريق رئيس، أو مدرسة، أو حي، أو مبنى إسمنتي!!