شقيقي يختلف معي في أساس الاعتقاد، قررت ألا أتناقش معه في هذا الأمر؛ لأن النقاش يؤدي إلى مفاسد أكبر.

     عندما يقرأ أحدنا كتاب الله ويتدبر مواقف الأمم السابقة مع أنبيائهم، يستغرب مواقف من كفر، نبي الله صالح، أخرج لهم ناقة من الجبل، ولم يؤمنوا، وموسى -عليه السلام- أتى لبني إسرائيل بتسع آيات بينات، ولم يؤمنوا، وعيسى -عليه السلام- أحيا لهم بعض الموتى، وشفى الأكمة والأبرص، بل وولد من غير أب لكن من أم صالحة زكية طاهرة، ولم يؤمنوا، والرسول صلى الله عليه وسلم أتاهم بمعجزات كثيرة أعظمها كتاب الله، ولم يؤمنوا، وكما قال الله -تعالى-:{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} (الأنعام: 7)، وكذلك قوله -سبحانه-: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿١٤﴾لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ }(الحجر: 14-15). فوصلت إلى قناعة  أن شقيقي لن يصل إلى الحق إلا إذا بذل أسباب الهداية.

كنت أتناقش مع صاحبي بعد أن خرجنا من زيارة الوالدة ثالث أيام رمضان في المستشفى؛ حيث أصابها الإرهاق والجفاف، وإلتقينا هناك بشقيقي أحمد.

– ماذا تعني بأسباب الهداية؟!

– انظر مثلاً إلى (سلمان الفارسي) رجل نشأ في بيئة تعبد النار، سمع صدفة ترانيم النصارى؛ فعرف أنهم على دين أفضل من دينه، كان (سلمان) صادقا متجرداً من البداية، يريد بصدق أن يصل إلى أفضل دين، يريد أن يصل إلى الحق ليؤمن به صدقاً، فتجرد عن اتباع الآباء، وتجرد عن هوى النفس، وبذل الأسباب ليتعلم الدين، وهداه الله إلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رحلة مكانية، امتدت من أصفهان إلى الشام والعراق، وأخيراً المدينة، واستغرقت رحلته سنوات عدة، ولكنه وصل إلى الحق وآمن به، وهكذا حال كل من أراد أن يعرف الحق ويؤمن به، يجب أن يكون صادقا متجردا، يبحث ويبذل الجهد ويتعلم، ويقارن بموضوعية، ويسأل الله الهداية، وسوف يصل إلى الحق -بإذن الله- دون شك في ذلك.

– وكذلك كفار قريش، بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كانوا يسمونه (الصادق الأمين) قبل البعثة، ولكنهم تعلقوا بدين الآباء، واعتزوا بميراث الأجداد، حتى عندما نزل قول الله -تعالى-: {تبت يدا أبي لهب وتب}، لم يؤمن أبو لهب، بل مات كافرا بعد غزوة بدر بأيام بمرض أصابه (العرسة) كالطاعون، حتى إن أبناءه تركوه حتى أنتن في البيت، ثم تعاونوا عليه وأخرجوه إلى أعلى مكة، وأسندوه إلى جدار، ووضعوا عليه الحجارة.

يستغرب المرء لماذا لم يؤمن أبو لهب وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، وزوج ابنتيه عتبة وعتيبة من ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقية، وأم كلثوم؟ قاطعني صاحبي.

– لماذا لقب بأبي لهب؟ مدحا أم ذماً؟

– بل مدحا، لقبه أبوه (عبدالمطلب) لإشراقة في وجهه ووسامته، ولكن عناده وكبره جعله في نار جهنم خالدا، هو وامرأته، مع أن الأولى أن يعتز بدين ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم .

– إن الحق دائماً واضح بين، ولكن المشكلة فيمن لا يرى الحق، أو يراه ولا يريد أن يتبعه، من كان في قلبه كبر لا يقبل الحق، ومن كان يعتز بدين الآباء والأجداد لا يقبل الحق، ومن كان يتبع هوى النفس لا يقبل الحق، ومن كان لا يبذل الأسباب، ويتعب نفسه ويقرأ ويتعلم لا يقبل الحق، ومن كان لا يدعو الله ولا يستعين به، لا يصل إلى الحق؛ فهذه أسباب لابد للمرء أن يبذلها ليصل إلى الحق ويقبله ويتبعه ويبقى عليه حتى الوفاة، وإلا فإنه سيندم ندما عظيما إن كان الحق أمامه وهو الذي أعرض عنه، ويوم القيامة لا أعذار على الإطلاق، الأدلة واضحة، والبرهين جلية، والأسباب يسيرة؛ فمن آمن فبفضل الله، ومن أعرض فلا يلومن إلا نفسه.

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125)}(طه: 124-126).