صاحبي (الكندري) امتدت جيرتي معه لربع قرن، أعرف عنه، ويعرف عني أكثر مما يعرف الأشقاء بعضهم!!

أتاني قبل أسبوع مهموما من حوار دار بينه وبين ابنه (محمد)، مهندس يعمل في إحدى الشركات النفطية، قليلا ما ألتقيه، سواء في المسجد أم في الحي، مع أنه لا تفوته الجمعة إذا كان في المنزل؛ وكذا صلوات العيد.

– يقول (محمد) -ولا أدري إن كان يعبر عن رأيه، أو مجرد كلام سمعه من بعض أقرانه-: ماذا لو لم يكن هناك يوم القيامة؟ أظنني سأحزن على ما حرمت نفسي في هذه الدنيا، وبصراحة لم أستطع أن أرد عليه ردا مقنعا؛ لأن الصدمة أذهلتني عن التفكير في الإجابة الصحيحة.

– هوِّن عليك يا أبا محمد، هذه خواطر تأتينا جميعا ونطردها ولا نسترسل معها، هي وساوس يلقيها الشيطان في قلوب بني آدم؛ فتتلقفها القلوب الخاوية وتزينها بأفكار وتلمعها بآراء، وفي النهاية ليست إلا فقاعات تنفجر مع سطوع نور الإيمان.

أخذ كل منا مجلسه في مكتبي الملحق بالمنزل بعد صلاة العصر، وهو مجلس جاهز دائما لاستقبال الضيوف.

– ولماذا سيحزن (محمد) إذا لم تكن آخرة؟

– يقول: لأنه حرم نفسه متع الدنيا وزينتها.

ابتسمت.

– ومن قال إن الالتزام بشرع الله يحرم العبد متع الدنيا؟!

لو أعطي الملحدون الخيار واتبعوا العقل المنصف والفطرة السليمة، لما وجدوا حياة أفضل من الحياة التي شرعها الإسلام، من قال: إن شرب الخمر من المتع؟ ومن قال: إن الزنا من المتع؟ ومن قال: إن تعاطي المخدرات من المتع؟ ومن قال: إن التعامل بالربا من المتع؟ هذه حرمها الله -عز وجل-؛ لأنها من الخبائث، سواء توصل العلم لها، أم لم يتوصل، وهذه حقيقة ينبغي أن يؤمن بها كل مسلم، أن الله لم يحرم إلا الخبيث، وما أباحه فهو الطيب، وما أمر به فهو الخير، والعلم يثبت ذلك مع مرور الزمن، والعقلاء من بني آدم يقرون بذلك، ونحن نطبقه إيمانا بالله ويقينا بأنه خير ما يمكن أن يتبعه الإنسان ليعيش حياة طيبة في الدنيا.

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾}(الأعراف: 157)؛ فلم يحرم النبي إلا الخبيث، وأحل لنا كل طيب.

– يقصد الالتزام بأوقات الصلوات، ولاسيما الفجر، والعصر، والوضوء، والغسل، والصيام.

– يا (أبا محمد) المسلم على يقين أن الالتزام بالصلوات أوقاتا وأداء، مع أنه عبادة لله، إلا أن له مردود اًصحياً اجتماعياً وذهنياً على كل فرد، أحدنا يلتزم بهذه الأوامر، وينبغي أن يعلم يقينا أنه أفضل تنظيم لوقت النوم والاستيقاظ، والأكل، والصيام، والراحة، والعمل، ولو أعانت الدول الإسلامية شعوبها المسلمة؛ فجعلت محور النشاطات اليومية هي أوقات الصلوات؛ لكان خيرا للجميع، الأفراد والأمة.

أنا شخصيا لا أتتبع الدراسات والأبحاث العلمية والطبية المتعلقة بفوائد توقيت النوم والاستيقاظ، وحركات الصلوات من ركوع وسجود، ولا أهتم لذلك، ولكنني على يقين بأنها أفضل تنظيم للوقت، ولا خير منه، وأن له مردوداً طبياً وصحياً واجتماعياً على الفرد والأسرة، والمجتمع، وأنه يؤدي إلى أفضل حياة يمكن أن يعيشها الفرد في هذه الحياة الدنيا.

– والزكاة؟

– والزكاة أيضاً، والصدقة معها، تورث طمأنينة في القلب، وعلاجا لأمراض مستعصية، كالبخل، والغرور، والكبر، عدا أنها تنشر تكافلا اجتماعيا، لا يمكن أن ينتشر بأي نظام ضريبي، أو تكافلي آخر.

هذه عقيدة يغفل عنها كثير من المسلمين، أن أوامر الله ونواهيه، هي الكمال لحياة البشر على هذه الأرض، وكل نقص في هذه الأوامر، يؤدي إلى نقص في الحياة.

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النحل: 97)، هذه الآية وصفت حياة المؤمن في الدنيا والآخرة.

أخذ صاحبي يخدم نفسه بالشاي والمكسرات، وهو معتاد على ذلك!!

– أظن أنك تستطيع أن تكمل الرد على (محمد) بأن الذي يتبع أوامر الله سيعيش حياة طيبة، ولن يخسر شيئاً، إن لم تكن آخرة!! أما الذي لا يتبع أوامر الله؛ فهناك نسبة 50٪ أنه سيخسر في الآخرة مع ما سيعيش به من منغصات الدنيا، هكذا لو تركنا العقيدة وتعاملنا مع الموضوع بعقلية الإحصائية، مع أننا نؤمن يقينا أن يوم القيامة لا ريب فيه.

{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴿٨٧﴾}(النساء: 87)، {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }(الأنعام: 12)، {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}(الشورى: 7)، {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(الجاثية: 26).