يلجأ كثير من الدعاة إلى الجزم بالأجر لترغيب الناس وحثهم على عمل الخير، «هل تريد أن تصوم مرتين»؟ «هل تريد أن تكون رفيق النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجنة»؟ «هل تريد أن يكون لك بيت في الجنة»؟ وهكذا لحث العامة على التبرع لمشاريع تفطير الصيام وكفالة الأيتام وبناء المساجد، وفي هذا الأسلوب خطأ ينبغي التنبيه عليه.

– وما الخطأ؟!

صاحبي من الذين يسارعون في المساهمة بأي مشروع يدعى إليه، كنا في الديوان الملحق بالمسجد بعد صلاة العصر.

– الخطأ هو (الجزم بالأجر)، بمعنى أن أحدنا يعمل الخير ويرجو أن ينال الأجر، ولا يجزم أنه ينال الأجر، وهكذا كان – صلى الله عليه وسلم – يستخدم لفظ (أرجو)، تأدبا مع الله، مع أنه لا ينطق عن الهوى، وكل ما يقوله حق، كما في حديث «المقام المحمود»: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» مسلم؛ فنحن نرجو أن ننال شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قمنا بهذا العمل، وكذلك حديث أبي بكر في أنه يدعى من جميع أبواب الجنة.

     من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبدالله هذا خير؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم.

ونحن نرجو أن الله قبل صيامنا وقيامنا وصدقاتنا وتلاوتنا وأن يثبتنا على كل ذلك، وأن يعتق رقابنا من النار.

– ولكن يستطيع أحدنا أن يجزم أنه قام ليلة القدر إذا هو قام العشر كلها من آخر رمضان.

– وهل القصد أن يقوم ليلة القدر، أو أن ينال أجرها؟ من قام العشر يرجو أن ينال أجر قيام ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ فالعبرة ليست بمجرد الصلاة والدعاء، وإنما العبرة في القبول، وهذه قضية يرجوها العبد ولا يجزم بها؛ لأنها متعلقة بقضايا خفية لا يعلمها إلا الله.

– إذن لا نستطيع أن نجزم أن الله غفر لنا ما تقدم من ذنوبنا، ولا أننا سندخل من باب الريان، ولا أننا سننال الأجر بغير حساب، بل نرجو أن ننال الأجر.

– نعم وكلنا أيضا نضيف إلى هذه القضية أننا «نحسن الظن بالله»، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (الكهف:30)، فيجب على العبد أن يحسن الظن بالله، ولاسيما في حال الاحتضار؛ ففي الحديث: «عن حيان أبي النضر قال خرجت عائدا ليزيد بن الأسود فلقيت واثلة بن الـأسقع وهو يريد عيادته؛ فدخلنا عليه فلما رأى واثلة بسط يده وجعل يشير إليه فأقبل واثلة حتى جلس فأخذ يزيد بكفي واثلة فجعلهما على وجهه؛ فقال له واثلة: كيف ظنك بالله؟ قال: ظني بالله والله حسن، قال: فأبشر فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم– يقول: قال الله -جلا وعلا-: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله» (صحيح).

      إن العبد إذا جزم أنه نال أجر كل عمل صالح عمله، يُخشى عليه من الاغترار بالعمل، وهذا مرض يحبط العمل، ويدخل الغرور في القلب، والأحاديث في التحذير من هذا المرض كثيرة منها: عن جندب – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حدث: «أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان! وإن -تعالى- قال: من ذا الذي يتألى علي أني لا أغفر لفلان؟؛ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك» (رواه مسلم).

     وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، وكان أحدهما مذنبا والآخر مجتهدا في العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر؛ فوجده يوما على ذنب فقال له: أقصر: فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة؛ فقبض روحهما؛ فاجتمعا عند رب العالمين؛ فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما؟ أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار.

تحقيق الألباني (صحيح).

نهضت وصاحبي لنغادر المكان إلى منازلنا، علق صاحبي:

– إذن ينبغي التنبيه على الدعاة قبل العوام أنه في أحاديث الأجر والثواب لا تذكروها بصيغة الجزم، ولكن يكفي أن تذكروا حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – الصحيح كما ورد: «من فعل كذا.. نال كذا» مثل «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بيهما قليلا»، ولا تقول هل تريد مرافقة النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجنة.

– أظن أن هذا الأسلوب أقرب للصواب، والله أعلم.