اعتدت أن ألقي نظرة على هاتفي بعد الرجوع من صلاة الفجر، وذلك أن الأمور المهمة والأخبار العاجلة والقضايا الأساسية ترسل في أواخر ساعات الليل ومنها، أخبار من توفي، ومن دخل المستشفى، ومن غضب وخرج من بيته، وكلها أخبار يجب التفاعل معها.

فجر الجمعة تلقيت خبر وفاة أحد الدعاة، الذي ترك أهله وداره، وسافر في أرض الله، يدعو إلى الله، ويعين الفقراء، وكانت ردة فعلي التلقائية «إنا لله وإنّا إليه راجعون أسأل الله لك الجنة».

وتذكرت قوله -تعالى-: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (النساء:100).

ولا أدري إن كان استشهادي صحيحا أم لا؟ ولكن هذا ما خطر على بالي.

بعد صلاة الجمعة جلست واثنين من رواد المسجد في الديوان، نتحدث في ذلك المصاب.

لقد كان في معية الله، فهنيئا له هذه الميتة.

– نرجو ذلك، ونحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحدا، ولكن ماذا تقصد بكلمة (معية الله}؟

– من صفات الله -عز وجل- (المعية) أي أنه يكون مع خلقه إما بعلمه، أو بتأييده ونصره وحفظه، واسمع الآيات  التالية:

أخذت هاتفي واستخرجت (آيات المعية):

{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} (النساء:108).

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة:7).

{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:40).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:153).

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة:194).

{إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفال:19).

{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (النحل:128).

والعبد -لاشك- يحرص أن ينال معية الله حفظا وتأييدا ونصرة- بإخلاص النية لله، والعمل فيما يرضي الله -عز وجل.

– هل يجوز أن يدعى للإنسان كما يفعله كثير من الناس ولاسيما الآباء فيقال له: «الله معك»، وبلهجة أخرى: «الله وياك»، أو «ربنا معاك».

– لا بأس في ذلك وهذه (المعية) التي ترجوها لمن تدعو له هي معية (الحفظ)، كأن تقول: «حفظك الله»، أما (معية العلم)، فهي موجودة للجميع، الطائع والعاصي المؤمن والفاجر، ولكن لا يقال: «الله والنبي معاك»، أو «الله وياك ومحمد وعلي»، هذه عبارة خطأ في العقيدة.

– إن (معية العلم) لله -عز وجل- بمعنى أنه يسمع كل أحد، كما في وصف المنافقين في الآية 108 من سورة النساء أو كلام المتناجين كما في آيات المجادلة، فيها من الترهيب ما فيها، ولا يمكن لأحد أن ينطق بحرف مما يغضب الله وهو يعلم أن الله معه بسمعه وعلمه، فلا يشهد زورا، ولا يحلف غموضا، ولا يكذب حديثا، إذا كان على يقين أن الله يسمعه، ومعه في تلك اللحظة بعلمه، فهذه الصفة لله -عز وجل- تكسب العبد دوام المراقبة ولاسيما لما ينطق به، ويفعله في الخفاء.

أما معيته -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين المتقين المحسنين فإنها تبعث في القلب الطمأنينة والثقة والسكينة، مهما وقع على العبد من ظلم وجور، ولحظات ضعف وانكسار.

قاطعني