كثير منا يقرأ القرآن عندما يكون في المسجد بانتظار الصلاة، وربما يجلس بعد الصلاة يقرأ شيئا من كتاب الله، وبعضنا يحرص على ختم القرآن مرة في الشهر أو أقل أو أكثر، ولكن قليلا منا من يتدبر آيات الكتاب المبين، فيفهم المعنى، ويتفاعل مع الأمر، ويتعوذ من الشر؛ فيتدبر الآيات ولاسيما التي تخبرنا عن صفات الله -عز وجل- فإنها أولى الآيات بالتدبر.

– صدقت يا (أبا سالم)، كثير منا يحرص على (الختمة أكثر من حرصه على التدبر، هل لك أن تعطينا أمثلة على آيات في ذكر لصفات من صفات الله -عز وجل.

كنا أربعة نفر في (ديوان المسجد) ننتظر صلاة العشاء.

– مثلا عندما نقرأ: {رفيع الدرجات ذو العرش}، أو: {من الله ذي المعارج}، {ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب}، أو: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم}، أو: {واعلموا أن الله شديد العقاب}؛ كل هذه آيات فيها ذكر لصفات من صفات الله -عز وجل-، ينبغي أن نتدبرها ونعرف معناها، لنؤمن بها إيمانا صحيحا كما يحب ربنا ويرضى.

أخذ (أبوفهد) نفسا عميقا.

– نعم نحن مقصرون في التدبر، نسأل الله المغفرة والإعانة.

– لنتحدث عن هذه الصفات، طالما لدينا وقت إلى أذان العشاء.

– مثلا قوله -تعالى-: {رفيع الدرجات ذو العرش}.

     (رفيع) من الرفعة والعظمة والعلو، أي عظيم الصفات صاحب العرش، الذي خلق العرش وهو أعظم مخلوق، كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن السموات والأرض في الكرسي كحلقة في فلاة، والكرسي في العرش كحلقة في فلاة، وإذا ذكر العرش لابد أن يذكر استواء الرحمن عليه -سبحانه وتعالى- {الرحمن على العرش استوى}، وهي من صفات الله -عز وجل-، استوى -سبحانه- على العرش استواء يليق بجلاله لا يشبه استواء المخلوقين دون أن نعلم الكيف، ونؤمن بذلك ونثبته دون شك؛ لأنه ورد في كتاب الله العزيز.

– وماذا عن (ذي المعارج)؟

– نعم وصف الله نفسه في سورة المعارج بقوله: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}.

(ذو المعارج)، ذو الدرجات العليا، ذو الفضل والعلو؛ ومن هذه الصفة نثبت صفة (العلو) لله -عز وجل-، علو المكان وعلو المكانة، فهو مستو على عرشه فوق سبع سماوات.

– فالعرب الذين أنزل القرآن بلسانهم لا يعرفون (العروج) إلا إلى العلو، وقال مجاهد: معارج السماء وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم، وهي مصاعد الملائكة إلى السموات، والأدلة في (علو الله) -عز وجل- كثيرة ليس هنا مجال ذكرها، ولكن نقول: إن من صفات الله -عز وجل- أنه (ذو المعارج)، ونفهم المعنى ونؤمن بهذه الصفة، ونثبتها لله -عز وجل- تحت قاعدة {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} -سبحانه وتعالى.

– وماذا عن (سريع الحساب)؟

– (الحساب) هو محاسبة الله لخلقه يوم القيامة، وإذا علمنا أن الحساب سيكون لجميع الخلق من الإنسان والجن منذ أنزل الله آدم إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة لا شك أن العدد كبير جدا، لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ فالجميع سيحاسب، جاء في التفسير، يحاسب الخلائق جميعا كما يحاسب نفسا واحدة، أيضا، يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا، وبغض النظر عن الفترة الزمنية التي تستغرقها عملية الحساب لجميع الخلق، فإنها سريعة؛ لأن الله (سريع الحساب)، وعندما نصف الله -عز وجل- بـ(سريع الحساب) فإنها صفة تليق بجلاله -سبحانه وتعالى-، ولا تشبه سرعة حساب البشر، ولا تقاس بها والفرق بينهما كما الفرق بين الخالق والمخلوق، ومع (سرعة الحساب)، فإن الله لن يظلم أحداً مثقال ذرة، وسيدني العبد المؤمن كما في الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره عن الناس ويقرره بذنوبه فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم» صحيح الجامع.  كم واحد من المؤمنين سيفعل بهم ذلك؟! عدد لا يعلمه إلا الله، ولا يشغل أحد الله عن أحد، فهو سبحانه -عز وجل- (سريع الحساب).